الانقلاب يستغل “الإعدامات السياسية” لتمرير ترقيعات الدستور وموجة الغلاء!

الإعدامات السياسية تتلاحق بصورة غير مسبوقة في مصر، خلال الآونة الأحيرة، في انتقام سياسي من قبل سلطات العسكر، لإسكات باقي شرائح المجتمع المصري، التي تسكت عن إعدام السياسيين من رافضي الانقلاب العسكري ومعارضي نظام السيسي.

ففي صباح اليوم قتلت سلطات الانقلاب 9 من أشرف أبناء الوطن؛ في جريمة جديدة من جرائم الانقلاب العسكري ضد الأبرياء في هزلية “النائب العام”.

وخلال الأسبوعين الماضيين نفذ نظام السيسي 14 جريمة إعدام في 3 هزليات، هي “المنصورة” و”كرداسة”، ثم “النائب العام” عبر قرارات قضائية جائرة، بجانب اعدام العشرات الاخرين بعمليات قتل خارج إطار القانون، بتصفيتهم جسديا كما حدث ضد 16 من أبناء سيناء، بزعم نيتهم التخطيط لتنفيذ هجمات مسلحة ضد الجيش.

اليوم.. شهداء “النائب العام”

رغم النداءات الكثيرة والاستغاثات العاجلة، نفذت مصلحة السجون، صباح اليوم الأربعاء، حكم الإعدام شنقًا بحق 9 أبرياء في قضية اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات، رغم أن كافة الأدلة تشير إلى براءة المتهمين ظلما بتلك الجريمة.

ورغم شهادة سائق سيارة النائب العام أن “بركات خرج على قدميه من السيارة بعد الحادث، وشهادة ابنة هشام بركات بأن هؤلاء الشباب لم يقتلوا والدها، ودعوة منظمة العفو الدولية لوقف تنفيذ الحكم؛ فإن سلطات الانقلاب أقدمت على تنفيذ الجريمة النكراء.

ونشرت وسائل إعلام الانقلاب صباح اليوم خبرًا أكد أنه تم تنفيذ الحكم داخل سجن استئناف القاهرة بحق 9 أبرياء من الشباب هم كل من: “أحمد طه، أبوالقاسم أحمد، أحمد جمال حجازي، محمود الأحمدي، أبوبكر السيد، عبدالرحمن سليمان، أحمد محمد، أحمد محروس سيد وإسلام محمد”.

مظاليم أبو المطامير

فيما تنظر محكمة النقض، اليوم الأربعاء، الطعن المقدم من ثلاثة من أبرياء أبوالمطامير بمحافظة البحيرة علي الحكم الصادر بالإعدام ضدهم، وهم: جميل خميس سعد حنيش 32 سنة- ليسانس آداب، وموظفٌ سابق بالجمعية الشرعية بأبو المطامير، ومحمد خالد محمود الفيومي، 44 سنة- أعمال حرة، بكالوريوس الخدمة الاجتماعية، ومحمد يوسف عبداللاه السبع، 36 سنة- يعمل موظفا بشركة خراطيم شبكات الري. إلى جانب 8 آخرين محكومين غيابيًا.

ومنذ الانقلاب العسكري عام 2013، عمدت السلطات الانقلابية إلى الزج بآلاف من رافضي الانقلاب في السجون وأصدرت أحكاما بالإعدام على المئات في محاكمات وصفتها منظمات حقوقية “بالمحاكمات الصورية”.

وبحسب قانونيين، فإن القضاء يتحمل كل المسئولية عن حياة المصريين والتي تحولت إلى هيئة للقتل بعيدا عن القانون، كما أن ما تفعله الداخلية من تنفيذ الأحكام الآن تجعلها والسلطة فوق الدولة وفوق القانون وفوق الدستور، فيما يتم الانحراف الأمني بالسلطة في حراسة الجيش والقضاء مما يجعلها مؤسسات خارج الدستور تهدد الأمن الاجتماعي والسلم الأهلي وتهدد الأمن القومي.

كما أن التوسع فى القتل من الداخلية يجعل الجيش شريكا (بالمحاكمات العسكرية) وليس حاميا للمجتمع وينذر بظهور جماعات مسلحة وإرهاب غير معروف المصدر؛ لأنه بغياب القانون تتكون عصابات للثأر، وهو ما يهدد مؤسسات الدولة بالانفجار الاجتماعي وثورة لا تبقي ولا تذر تهدد كيان الدولة وتحولها إلى فوضى، إذ إن ما يحدث للمصريين من قتل لن يمر وسيأتي يوم قريب للحساب داخليا وخارجيا ولن يفلت مجرم من حساب وعقاب، خاصة في ضوء أن قتل المصريين أصبح أمرا سائغا وصوابا عند مؤسسات الأزهر ودار الإفتاء والكنيسة الذين لم يتكلم أحدهم وطالب بالالتزام بالقانون.

ولعل ما يفاقم الظلم ومن ثم الاحتقان الاجتماعي والسياسي الذي يقود للانفجار المجتمعي الشامل، أن المتهمين والمحكومين بالإعدام، غالبا ما يتعرضون للاخفاء القسري والتعذيب مما يجعل أي اعتراف لهم باطل بحكم القانون، وهو ما يؤكد أن أحكام الإعدام ما هي إلا عمليات قتل خارج إطار القانون لا تقل بشاعة عن الاغتيالات الجسدية.

مدلولات سياسة الإعدام

بالتوازي مع سعي نظام الانقلاب لتعديل الدستور لإبقاء قائد الانقلاب “عبد الفتاح السيسي”، في السلطة لمدد أخرى تصل لعام 2034، بدأت مصر تنفيذ أول حكم إعدام في العام الحالي، في 6 فبراير الجاري، بحق 3 سجناء سياسين، متهمين بقضية قتل نجل أحد القضاة في محافظة الدقهلية، في نهاية أغسطس 2014. أما الحكم الثاني، فكان في 13 فبراير الجاري؛ حيث أعدم 3 سجناء آخرين، بزعم مشاركتهم في قتل اللواء “نبيل فراج”، مساعد مدير أمن الجيزة، أثناء مداهمة في منطقة كرادسة، في التاسع من سبتمبر عام 2013.

وتقول منظمات حقوقية: إنه من خلال متابعتها ورصدها لكافة الإجراءات القضائية التي تمت في تلك القضايا فإنها “جاءت في إطار من الإجراءات التعسفية التي تنتهك معايير المحاكمات العادلة، وأهمها بناء الحكم على تحريات الأمن الوطني فقط، وهو ما يخالف ما استقرت عليه محكمة النقض”.

ويعد ذلك مخالف للقوانين والأعراف الدولية؛ حيث لا يجوز بناء الأحكام على تحريات الأمن، وذلك وفقا للمادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي صدقت عليه مصر.

وبموجب تنفيذ هذين الحكمين يرتفع عدد المنفذ بهم حكم الإعدام في قضايا ذات طابع سياسي إلى 38 شخصًا منذ الانقلاب على الرئيس “محمد مرسي” (أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا في البلاد)، في 3 يوليو 2013، في حين ينتظر 59 شخصًا على الأقل تنفيذ الإعدام كل يوم، بعد استيفائهم مراحل التقاضي وصدور أحكام نهائية بإعدامهم، وهو ما أثار مخاوف الحقوقيين، من أن الأيام المقبلة تشهد تنفيذا غير مسبوق لتلك الأحكام، مما ينذر بأن يكون عاما دمويا بحق معارضي النظام.

سر توقيت الإعدامات

وعن سر توقيت تنفيذ أحكام الإعدام بحق رافضي الانقلاب، قالت 9 منظمات حقوقية مصرية ودولية، إن “سرعة وتيرة تنفيذ أحكام الإعدام تُستغل في إطار سعي النظام الحاكم للتعديلات الدستورية، والتي يسعى فيها لتكريس حكمه في غيبة القانون، والعمل على إشغال المجتمع بمثل تلك الإعدامات”.

ونهاية الأسبوع الماضي، وافق مجلس نواب العسكر على مبدأ إدخال تعديلات على دستور 2014، وتسمح التعديلات المقترحة على الدستور لقائد الانقلاب “عبد الفتاح السيسي”، بالترشح لفترات رئاسية إضافية ليكون بمقدوره البقاء في الرئاسة إلى عام 2034.

وأقر 485 نائبا التعديلات التي اقترحها ائتلاف “دعم مصر” (يمثل أكبر كتلة برلمانية ويضم لواءات شرطة وجيش سابقين ومؤيدين للسيسي)، ويشكل الموافقون أكثر من ثلثي أعضاء مجلس النواب، وهي الأغلبية المطلوبة للموافقة.

التعديلات الدستورية التي تجري حاليا في مصر للسماح بتمديد فترة الرئاسة ستسمح لـ”السيسي” أن يبقى بالمنصب حتى بلوغه الثمانين، وستكون تلك المدة سنوات عجافا على المصريين، وذلك بحسب ما رأت صحيفة “واشنطن بوست.

فـ”السيسي” غير راض عن الدستور الذي يضع بعض القيود على سلطته، ولذلك تسارع أذرعه البرلمانية للتصويت على سلسلة واسعة من التعديلات التي تجعله “ديكتاتورا فعليا مدى الحياة”.

ومنذ استيلاء “السيسي” على السلطة بانقلاب عسكري في صيف عام 2103 ، فقد قتل (أما بالتصفية الجسدية، أو بأحكام إعدام جائرة أو إهمال طبي في السجون) وأخفي آلاف الأشخاص على أيدي قوات الأمن وسجن عشرات الآلاف وعذبوا وفي كثير من الحالات احتجزوا لسنوات دون محاكمة.

تواطؤ الغرب

هذا التدهور في الأوضاع الحقوقية بمصر، يأتي بسبب الموقف “الباهت” من قبل الأنظمة الدولية، وخاصة الإدارة الأمريكية التي على مايبدو أنها أعطت الإشارة الخضراء لـ”السيسي”، لسحق المعارضة، وتعديل الدستور لمنحه مزيد من السلطات المطلقة.

فإدارة “ترامب”، لم تبد أي انزعاج من التعديلات الدستورية التي يقوم بها أذرع “السيسي” البرلمانية، ولا ملف حقوق الإنسان المتدهور، بالرغم من الزيارة التي قام بها وزير الخارجية “مايك بومبيو” إلى القاهرة الشهر الماضي.

وعن إصرار النظام المصري على مواصلة إصدار أحكام الإعدام بحق المعارضين رغم الانتقادات الدولية، فيرى مراقبون أن هذه الأحكام هي محاولة للهروب إلى الأمام عبر استدعاء فكرة الحرب على الإرهاب، للتهرب من المسؤولية عن الوضع المتأزم التي تعيشه البلاد بسبب موت السياسة والعدالة والفشل الاقتصادي.

موجة الغلاء الجديدة

كما يستهدف السيسي من الإعدامات السياسية المتلاحقة، إسكات أي صوت معارض داخل الشارع المصري، خاصة مع اقتراب موجة الغلاء الجديدة التي ينتظرها المصريين، وستشمل الوقود وعددا من السلع والخدمات، في إطار استكمال إجراءات واشتراطات البنك الدولي الذي منح مصر قرضا بقيمة 12 مليار دولار.

وتستعد مصر خلال شهر يوليو المقبل، مع بدء تطبيق الموازنة العامة الجديدة 2019/ 2020، لإلغاء الدعم الموجه للوقود والكهرباء والماء، وعدد من الوزارات الخدمية، مثل الصحة والتعليم، ما يفاقم الأعباء المعيشية للمصريين.

واستجابت حكومة الانقلاب لمطالب صندوق النقد الدولي، ومنها تقليص الدعم من أجل الحصول على باقي القرض المتفق عليه والبالغ 12 مليار دولار، وذلك رغم تحذيرات الخبراء المتصاعدة من تداعيات ذلك على الاقتصاد، الذي باتت الديون تهدد بإغراقه.

وبذلك تسير مصر نحو المجهول بانفجار مجتمعي مرتقب لفعل الغلاء والقمع والكبت السياسي والاقتصادي والانتهاكات الحقوقية وهو ما يهدد بسوريا جديدة في مصر قد تطيح بالنظام الانقلابي وتصدر ملايين المهاجرين للغرب الذي يظل في المنطقة الرمادية، طالما تحققت مصالحه التي يرعاها العسكر في مصر، رغم لتشدق بالديمقراطية وحقوق الإنسان.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...