هل تعمد السيسي تنفيذ أحكام الإعدام قبل القمة العربية الأوروبية؟

يعزو كثير من المحللين السياسيين أسباب تصعيد نظام الطاغية عبدالفتاح السيسي مستويات القمع منذ بداية 2019م، إلى عدة عوامل:

من أهمها أن تنفيذ 15 قرار إعدام بحق شباب جماعة الإخوان المسلمين خلال أقل من شهرين يمثل رسالة تهديد واضحة، أن الجنزال السفاح ماض في قمعه واستبداده دون اكتراث لأي انتقادات حقوقية أو خوف من ردة فعل دولية بعد أن تلقى ضوءًا أخضر من القوى الدولية والأوروبية تمنحه صكًّا على بياض من أجل سحق الإسلاميين والثوار، بشرط ضمان المصالح الأمريكية والغربية والإسرائيلية في المنطقة.

السبب الثاني لتفسير هذا التصعيد أنه أيضا يمثل رسالة تهديد من أجل تمرير التعديلات الدستورية التي تفضي إلى تأبيده في السلطة ومنحه صلاحيات مطلقة تعلو فوق سلطات أي ملك أو فرعون أو طاغية على مدار التاريخ كله، وأن السيسي – بإعدام الإخوان والتشهير بالمعارضين العلمانيين عبر نشر فضائح وإسطوانات ومكالمات جنسية – إنما يؤكد عزمه وتصميمه على تمرير هذه التعديلات مهما كانت العقبات.

السبب الثالث أن تنفيذ هذه القرارات بالإعدام سوف يحقق للنظام حالة من الإلهاء للقوى السياسية ويجعلها في حالة دفاع في الوقت الذي يفترض أن تكون في حالة هجوم على النظام وإبراز مدى استبداده وطغيانه.

لكن سببًا رابعًا طفا على السطح يتعلق بأن السيسي استهدف بهذا التصعيد الواسع أن يكون قبل القمة العربية الأوروبية المقرر لها أن تنعقد الوم بمدينة شرم الشيخ على مدار يومين (24/25 فبراير 2019) وسط مشاركة أوروبية واسعة على رأسها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي غيرها من رؤساء الحكومات الأوروبية.

فالسيسي افتعل أو على الأقل سمح بهذه التفجيرات التي وقعت مؤخرا وأدت إلى مقتل ضابط بالأمن الوطني وأميني شرطة وإصابة 3 ضباط آخرين بخلاف مقتل الانتحاري وطالب تايلاندي بالأزهر الشريف؛ لأن الانتحاري كان في سجون السيسي قبلها بثلاثة أشهر وتم إطلاق سراحه وكان تحت رقابة الشرطة في كل خطواته، كما كشفت مقاطع الفيديو لتفاصيل التفجير، إضافة إلى أن قرارات الإعدام التي جرى تنفيذها خلال الشهرين الماضيين تتعلق بشباب من جماعة الإخوان المسلمين وذلك حتى يفرض الجنرال ملف ما يسمى بالإرهاب على مناقشات هذه القمة المرتقبة والعمل على الزج بالإخوان، وإرسال رسالة للغرب أنه يقوم بدور الحارس ورأس الحربة في هذه الحرب “القذرة” التي يراها الغرب ضرورية؛ ذلك أن الربط بين الإخوان وتنظيم داعش هو تدليس متعمد تروج له سلطات الانقلاب من أجل إقناع الأوروبيين أن الجماعة التي فازت بكل الاستحقاقات الديمقراطية النزيهة التي جرت في أعقاب ثورة يناير وفازت بالرئاسة والبرلمان تحولت إلى كيان إرهابي بعد انقلاب السيسي الدموي.

يعزز ذلك بحسب مصادر بالنظام أن “اختيار القضايا المنفذ فيها أحكام الإعدام تم بعناية فائقة، إذ إن غالبية من تم تنفيذ الإعدام بحقهم شباب من جماعة الإخوان المسلمين، ويتم تسويقهم للدوائر الأمنية أنهم ينتمون لجناح متشدد وخارج عن سيطرة قيادة الجماعة”،كما أن الضحايا في القضايا الصادرة في أحكام الإعدام ينتمون للشرطة المعنية في المقام الأول بمواجهة الإرهاب، وكذلك السلطة القضائية، ممثلة في النائب العام، واستهداف نجل أحد القضاة”، بعيدا عن عدم عدالة ونزاهة هذه المحاكمات التي دانتها منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمات حقوقية محلية أكدت أنها اتفقدت لأدني معايير العدالة.

استطلاع أمريكي: ثلث المصريين يدعمون الإخوان

وتؤكد استطلاعات الرأي الغربية أن الجماعة رغم إجراءات القمع الوحشي وحملات الدعاية السوداء المتواصلة لا تزال تحظى بدعم وثقة ثلث الشعب المصري على الأقل وهي نسبة تقترب مما حصل عليه حزب الحرية والعدالة في انتخابات 2011م (38%) بخلاف القوى العلمانية التي فازت على قوائمه (05%) حيث حصلت قوائم الحزب على “43%” وقتها محتلا أكثرية المجلس.

وبحسب الاستطلاع الذي نشره منتدى فكرة التابع لـ”معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى” في ديسمبر 2018م فإن ثلث المصريين لا يزالون يميلون إلى جماعة “الإخوان المسلمين”، معنى ذلك أن الجماعة تحظى بدعم 35 مليون مصري ؛ والسيسي يروج لهذه الأكذوبة ويتهم هذا الرقم الضخم من المصريين بدعم هذا الإرهاب المزعوم!

فهل تدرك أوروبا أبعاد هذه التدليس الفج والأكاذيب والافتراءات التي يروج لها زعيم الانقلاب؟ وهل تدرك أوربا أبعاد أن يدعم 35 مليون مصري هذا الإرهاب المزعوم؟ فمن هذا الطاغية الذي يحول بين يوم وليلة ثلث المصريين من حزب أكثرية فاز بثقة الشعب إلى إرهابيين أو متعاطفين مع الإرهاب؟

وهل هناك إرهابيون يؤمنون بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة واحترام إرادة الشعب والدفاع عن قيم حرية الرأي والتعبير والدفاع عن حقوق الإنسان؟ وهل هناك إرهابيون بينهم رئيس مدني سبق انتخابه في أنزه انتخابات في تاريخ مصر شهد له العالم كله وعلى رأسهم الأمريكان والأوروبيون؟ وهل يصنف إرهابيون وزراء وقادة حزب فاز بثقة الشعب يحاكمون حاليا في سجون زعيم انقلاب عسكري اغتصب الحكم بقوة السلاح وظهور الدبابات؟!

نفاق أوروبي

يستهدف السيسي إذا، وضع الأوروبيين أمام مرآة الحقيقة، فمشاركتهم بهذا الحضور الواسع تعني أنهم يؤيدون زعيم الانقلاب في ممارساته الاستبدادية وطغيانه الذي يفوق كل حد ويتجاوز كل منطق، وبذلك فإن السيسي يفضح الأوروبيين بكل وضوح؛ فإذا كنتم تنتقدون ممارسات النظام وانتهاكاته في ملف حقوق الإنسان؛ فإنكم تقدمون مصالحكم على هذه القيم؛ فلا تتشدقوا بها مجددا؛ لأنكم ببساط داعمون لهذا الاستبداد وتمنحونه الضوء الأخضر ليتجبر ويطغي دون خوف من ردود الفعل العالمية والأوروبية؛ فهم يعنيهم ملف وقف الهجرة غير الشرعية ولا يعنيهم مطلقا قيم الحرية والديمقراطية؛ هم فقط يرفعونها في أوروبا ضد النظم العربية المستبدة عندما يكونون في حال ابتزاز لهذه النظم، أما إذا كان النظام يقدم قرابين الولاء والخنوع طواعية؛ فليس الأوروبيون في حاجة لانتقاده؛ لأن المصالح أهم من القيم.

الخلاصة أن أوروبا وأمريكا سقطت في امتحان القيم ولا تزال تسقط وستظل تسقط. وليس للمظلومين في مصر وسورية والدول العربية سوى الله الرحيم الذي يمهل للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته وأخذه أخذ عزيز مقتدر؛ الرهان على هذه الدول هو رهان فاشل لأنهم ببساطة هم من يصنعون حكامنا المستبدين ويدعمون بقاءهم من أجل حماية مصالحهم وضمان امتيازاتهم في نهب ثرواتنا ومقدراتنا؛ فهل تعد الأقدار للطاغية عبدالفتاح السيسي نهاية مروعة كما روع الملايين؟ وهل يكون عبرة لكل طاغية ومثالا لكل ديكتاتور كما قص الله عن فرعون وهامان وجنودهما؟ فارتقبوا إنا مرتقبون!.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...