“أنا الشعب”.. كيف ولماذا تصدر القوانين في عزبة العسكر؟

من أشهر الإفيهات التي أطلقها الفنان الراحل نجاح الموجي، ضمن أحداث مسرحية “المتزوجون”، حينما جسد شخصية “مزيكا” صبي الجزار، ويوجه “حنفي” – جورج سيدهم- سؤال لمزيكا قائلًا: “قولي يا واد يا مزيكا، إنت بتفهم في السياسة”، ليرد وهو يضع ساق على ساق: “أنا الشعب”، ضحك المشاهدون ولا يزالون إلي اليوم يضحكهم الرد وغرابته، إلا أن جواب مزيكا على حنفي هو في حقيقته ما يردده جنرالات العسكر.

البداية كانت مع أبو الانقلاب الفاشي جمال عبد الناصر، الذي آمن بنفسه كإله أوحد للمصريين لا شريك في الحكم له، وأصدر ترسانة قوانين فصلت السودان عن مصر وأضاعت سيناء وغزة وباعت السيادة للمحتل ومزق النسيج الاجتماعي وبدد ثروات مصر الزراعية.

يقول الصحفي علاء عباس:” أيام مبارك كان فيه وزير اقتصاد من مخافظة الشرقية اسمه الدكتور مصطفي السعيد زوجته مدام جيجي عندها بوتيك خمس نجوم بمصر الجديدة للملابس والشنط الجلدية استوردت كميات كبيرة من الملابس الجلدية من الخارج وكانت الجمارك مبالغ باهظة”، مضيفاً:”أصدر مصطفي السعيد قرارا وزاريا باﻹعفاء الجمركي علي الواردات من الملابس واﻷحذية الجلدية أدخلت مدام جيجي بضاعتها مستفيدة باﻹعفاء الجمركي وبعد 24 ساعة تم الغاء القرار”.

سباق محموم
ويضيف الصحفي عباس:”وكنت أتندر بمثل هذه القصص التي تزكم اﻷنوف بالفساد.تلميحا وتصريحا حتي جاء قانون جيهان للأحوال الشخصية والشقة من حق الزوجة والذي قاومه بلا يأس الشيخ علي جاد الحق ولكن بعد حكاية سرور وسندس أحسست ان كل اللي فات حمادة ..والحكاية دي حمادة تاني خالص”.

أما جنرال إسرائيل السفيه السيسي فكأنه في سباق محموم مع الزمن، خشية أن يثور الشعب قبل أن يكمل مخططه الذي جاء لأجله، واستغل غياب السلطة التشريعية عقب انقلاب 30 يونيو 2013، وأصدر 494 قرارا وقانونا منذ استيلائه على السلطة في يونيو 2014، ووصف منتقدون بعض تلك القوانين بأنه يستهدف المعارضة ويفتح الباب للفساد.

ووفقا لتقرير للمركز الوطني للاستشارات البرلمانية أصدر السفيه السيسي 263 قرارا بقانون خلال الأشهر الستة الأولى من استيلائه على السلطة، أي بمعدل ثلاثة قرارات كل 48 ساعة، ولم تكن هناك آمال شعبية كبيرة في أن يعارض برلمان الدم، الذي عقد أولى جلساته في يناير 2016 فقط لتوقيع وإقرار قوانين جنرال إسرائيل.

وفضلا عن أن برلمان الانقلاب خال بطبيعة الحال من المعارضة، فلم يكن أمام نواب المخابرات الحربية سوى أسبوعين فحسب لمراجعة وتمرير مئات التشريعات التي أصدرها السفيه السيسي وفق المادة 156 من دستور الانقلاب، ومرر برلمان الدم كل قوانين السفيه السيسي.

ورغم خطورة ما أصدره السفيه السيسي خلال أعوام الانقلاب، فإن برلمان الدم مرره جميعه، ولم يتحرج جنرال إسرائيل من فرض حزمة ضرائب على دخول المصريين، في مقابل زيادة معاشات العسكريين عشرات المرات خلال سنوات الانقلاب الماضية.

سندس وحصانة الجنرالات

وأخطر ما وافق عليه برلمان الدم، القانون رقم 161 لسنة 2018 الخاص بمعاملة كبار قادة القوات المسلحة، أو تحصينهم من العقاب والمحاكمة على الجرائم التي ارتكبوها عقب الانقلاب، وأصدر مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ورقة تحمل عنوان “قانون معاملة كبار قادة القوات المسلحة.. في سؤال وجواب” أكد فيها تفاصيل الصفقة بين العسكر والسيسي من وراء هذا القانون.
الدراسة أكدت بوضوح أن “الصفقة” التي عقدها السيسي مع جنرالات الانقلاب تقوم على أنه “لا عقاب للقادة العسكريين المتورطين في جرائم الماضي مقابل انفراد الرئيس بالسلطة مدى الحياة”، وأن القانون عكس بشكل واضح كيف أن الغاية الرئيسية منه هي “التستر الكامل على جرائم الماضي وإفلات العسكريين المتورطين فيها من العقاب”.

وللحق أن الفساد في آلية إصدار القوانين لم يبدأ بعهد السفيه السيسي، وإن كان جنرال إسرائيل ضرب الرقم القياسي في سرعة طبخ وسلق القوانين، إلا أنه بالعودة إلى عهد مبارك حيث تفاصيل فضيحة شهيرة طرف الخيط فيها بطرس غالى، الذي كان يلملم أوراقه كأمين عام للأمم المتحدة، وكان كبير ترزية القوانين الدكتور فتحي سرور، رئيس برلمان مبارك، فأشار إليه بطرس بأنه سيهديه سيدة مصرية تعمل معه لها خبرة كبيرة في الأعمال الدولية.

وبحسب تسريبات أوراق ملفات الكسب غير المشروع بعد ثورة 25 يناير، انتقلت سيدة تدعي “سندس” للعمل معه، فما كان من سرور إلا أن أحبها لجمالها الشديد ومن ثم عينها سكرتيرته الشخصية في البرلمان الدولي، وفي مجلس الشعب، وخصص لها سيارة مرسيدس بالسائق، واتفقا معاً على أن ترفع دعوى طلاق ضد زوجها، لتطلق منه ثم ليتزوجا بعد ذلك و تم رفض دعوى التطليق الخاصة بها.

هكذا تسلق القوانين

فتفتق ذهن سرور أن يصدر قانوناً آخر يتيح لها التطليق دون أي أسباب، ودون إرادة زوجها، ودون إرادة القاضي نفسه، وبالفعل فكر في قانون الخلع، والذي اشتهر في أروقة مجلس الشعب باسم قانون سندس، والذي استمد فكرته من قصه حبيبة بنت سهل زوجة ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنهما.

إلى أن انتهى المطاف بإصدار قانون الخلع، وكانت السيدة سندس هي أول “مختلعة” في مصر، لأن القانون قد تم تفصيله خصيصاً لها، ولكنها لم تقبل بالزواج من سرور إلا إذا تم تعديل قانون الحضانة، وإلا فإن طليقها ضابط الشرطة سيأخذ منها ابنتها، التي كانت تبلغ من العمر ٨ سنوات وقتئذ، فصدر لها أيضاً قانون الحضانة والرؤية، وبالتالي أطمأنت السيدة سندس بعدم حصول الأب على الحضانة، وبذلك تزوجها رسمياً الدكتور فتحي ولكن في السر.

وأبلغ الراحل “كمال الشاذلي” المخلوع مبارك بزواج سرور السري، فأمره باستقالتها من مجلس الشعب، وبالفعل استقالت السيدة سندس من المجلس، وعلمت زوجة سرور الأولى بالموضوع واشتكته إلى سوزان مبارك، وأنها لم تعلم بزواجه من السيدة سندس، فأصدرت سوزان ثابت قانوناً يجبر الزوج بإعلام زوجته في حالة زواجه من أخرى، وأجبر سرور على تطليق زوجته السيدة سندس إرضاءً لزوجته الأولى وحفاظاً على وظيفته داخل العصابة، والسؤال إذا كان هذا يحدث في مصر أيام مبارك الفاسد فتري كيف تدار اﻷمور اﻵن ؟.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...