انعكاسات الضغوط المصرية على الفصائل الفلسطينية للمصالحة وهندسة صفقة القرن

حدثان مهمان يتعلقان بفلسطين وقضيتها، شهدهما الاسبوع الماضي: (الأول) وهو دعوة روسيا الفصائل الفلسطينية الرئيسية للقاء والتحاور في موسكو يومي 11/ 12 فبراير الجاري تحت رعاية وزير الخارجية الروسية لافروف كمحاوله لاختراق جدار الانقسام ومواجهة التحديات بالوحدة الوطنية.

وقد شارك في ذلك اللقاء اثنتي عشر فصيلا وحزباً فلسطينياً وفي مقدمتهم حركتي فتح وحماس واللتان تمثلان الثقل الأساسي بين مختلف الفصائل، وذلك بهدف إيجاد التوافق بين هذه الفصائل والمساعدة في تقريب وجهات النظر من أجل إنهاء الانقسام الذي مضى عليه اثني عشرة سنة، وتوحيد الموقف الفلسطيني من مجمل القضايا التي تهم الشأن الفلسطيني ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي والموقف الأمريكي من عملية السلام، بموقف فلسطيني واحداً وموحداً .. الخ.

و(الثاني) هو مؤتمر وارسو الذي دعت إليه الإدارة الأمريكية وبولندا تحت عنوان (تشجيع الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط) لهندسة صفقة القرن وتدشين تحالف أمريكي لمواجهة إيران والتطبيع العربي مع الصهاينة.

وترجع أهمية اللقاء الاول في موسكو من زاوية أنه محاولة لاستكمال جهود المصالحة الفلسطينية التي فشلت في القاهرة عدة مرات، فآخر اتفاق للمصالحة وقعته حماس وفتح كان بالقاهرة يوم 12 أكتوبر 2017، لكنه لم يطبق بشكل كامل، بسبب نشوب خلافات كبيرة حول عدة قضايا، منها: تمكين الحكومة، وملف موظفي غزة الذين عينتهم حماس أثناء فترة حكمها للقطاع.

ومنذ ذلك الحين، كثف نظام السيسي جهوده من اجل المصالحة بغرض الوصول الي نقطة تسليم حماس قيادة غزة لسلطة عباس الموالية للاحتلال في رام الله، ونزع سلاح المقاومة كمرحلة أخيرة، كبديل لمشاركته في حصار غزة وغلق معبر رفح، بعدما أدرك ان الحصار ينتج عنه مزيد من العنف في سيناء بسبب تسرب مقاتلين وسلاح من الحركات السلفية في غزة الي سيناء، ومن ثم التنسيق مع حماس لوقف ذلك وتامين الحدود، وهو ما حدث.

وضمن هذه التحركات المصرية التي تصب في خانة “صفقة القرن” في نهاية المطاف، دعت المخابرات المصرية رئيس المكتب السياسي لحماس اسماعيل هنية للقاهرة 16 فبراير 2019، للتباحث حول المصالحة، كما استقبلت رجل عباس الامني “جبريل الرجوب” رغم منع نظام السيسي دخول وترحيله إلى الاردن، منذ مارس 2017، بسبب ما قيل إنه “إساءة الرجوب لمصر في تصريحاته”.

وهو ما أكده “إسماعيل هنية” في ندوة “المصري اليوم” بقوله إنه بحث في زيارته الأخيرة لمصر فبراير الجاري 5 ملفات، كان الملف الثالث منها هو «المصالحة»، وأن “الجانب المصري شدد على ضرورة إجراء تحقيق الوحدة والمصالحة الفلسطينية لتعزيز الصمود والقدرة على مواجهة التحديات”.

وقال إن «حماس» أكدت أنها ترغب في تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام والعمل على إتمام الوحدة من خلال وضع «خارطة طريق»، ولكن سبب تعطيلها متعلق بالتدخلات الغربية الأمريكية، للضغط على السلطة لإبقائها بعيدة عن عقد الوحدة مع حماس، بجانب أمور تتعلق بالأخوة في السلطة الفلسطينية، فما زال موضوع الشراكة لم ينضج بالدرجة الكافية التي تؤمن كيانا سياسيا موحدا ووحدة فلسطينية حقيقية، لذلك أكدنا ضرورة أن تنجح مصر في تحقيق هذه التطلعات».

لماذا استقبلت القاهرة “الرجوب” رغم الإهانة؟

والملفت هو استقبال مصر ووزير الخارجية سامح شكري لجبريل الرجوب بمصر رغم منعه من دخولها سابقا، بدعوي الاساءة، رغم أن الرجوب لم يتوقف عن مهاجمة مصر والمخابرات المصرية ووصفها بـ “الانذال”، قبل وصوله مصر حيث صرح في نوفمبر 2018 بأن “السيسي والمخابرات المصرية يلعبون دورا هاما فيما بات يعرف بصفقة القرن”، وقال إن “ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، هو من يتحكم بالأجهزة الأمنية في مصر، والداعم الأكبر لصفقة القرن”.

https://youtu.be/1LyTYFHSMWg

ويُعتقد أن تغاضي حكومة السيسي ومخابراته عن اهانات الرجوب والاضرار لاستقباله، جاء في سياق “الضرورة” باعتبار انه مبعوث “عباس” وأمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، الذي طلبته مصر لبحث حلحلة المصالحة وعرض ما توصلت له مع وفد حماس في زيارته الاخيرة، ضمن ضغوط مصر علي حماس للمصالحة وتشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة بغرض سيطرتها على غزة.

وهو ما أوضحه أحمد حافظ المُتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، حين أكد أن اللقاء بين سامح شكري وزير الخارجية، واللواء جبريل الرجوب 21 فبراير الجاري 2019، تناول “ملف عملية المصالحة الوطنية الفلسطينية، واستعراض نتائج الاتصالات والمشاورات مع كافة الأطراف المعنية، وتم التأكيد على ضرورة سرعة إنهاء الانقسام”.

اخر المصالحات الفاشلة

وكانت اخر جولات المصالحة الفاشلة هي مؤتمر موسكو، فرغم أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حاول الظهور بمظهر من يحارب صفقة القرن قائلا إن “ما تعرف “بصفقة القرن” لا تشمل دولة فلسطينية، وأن ما تعرف بالصفقة ستدمر كل شيء تم القيام به حتى الآن، وأن الحديث فيها يدور على نهج لا يشمل إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس”، إلا أن التحرك الروسي يأتي في سياق مناكفة امريكا التي عقدت قمة اخري لدي جارة موسكو (بولندا)، وتسعي لنشر صواريخ هناك على حدود روسيا الغربية.

وفسر موسي ابو مرزوق عضو المكتب السياسي لحماس ما الذي جرى في موسكو من فشل بقوله: “توافقت الفصائل على بيان جيد وأرسل للطباعة في السفارة الفلسطينية، وفوجئ الجميع بتوزيع للبيان وفيه تغير غير متفق عليه ورفضت فتح تعديله وأوضحنا للرأي العام الخلل، وتوافقنا على عدم إصدار بيان في المؤتمر الصحفي، وغضب الأصدقاء وحملوا عزام الأحمد المسئولية”.

ولم يكن يتوقع الكثيرون أن ينجح لقاء الفصائل الفلسطينية الذي دعا إليه مركز الاستشراق الروسي بإدارة نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف في 11-13 من هذا الشهر، ليس فقط بسبب الخلافات العميقة التي سادت بين الفصائل حول موضوع المصالحة وبالذات بين حركة “فتح” والسلطة الفلسطينية وبعض فصائل منظمة التحرير من جهة وبين حركة ” حماس ” من الجهة الأخرى، وبعد فشل التحركات المصرية الكثيفة لهذا الغرض.

وكانت هناك توقعات بأن يفضي اللقاء إلى اتفاق حول القضايا العامة ويذيب الجليد في العلاقة بين الأطراف الفلسطينية ربما تمهيداً لاستكمال الحوار برعاية مصرية في وقت لاحق، لكن فشل الفصائل في التوقيع على بيان مشترك، على القواسم المشتركة التي وقعت عليها في السابق وخاصة في حوارات 2017، أعاد الحوارات لنقطة الصفر.

وحسب ما صدر عن الفصائل المشاركة في لقاء موسكو فإن الخلاف برز في موقف حركة “الجهاد الإسلامي” التي رفضت التوقيع على البيان لأنه لا يتضمن القضايا المتفق عليها سابقاً وتشكل ارضية مشتركة لموقف الإجماع الوطني، مثل رفض الحركة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود العام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، ورفض الحديث عن الشرعية الدولية بما في ذلك حق العودة على أساس القرار 194.

وقد ربطت حركة “حماس” توقيعها على البيان بتوقيع حركة الجهاد الإسلامي مع أن برنامج حركة “حماس” يختلف نسبيا، وجاء تضمين حركة فتح البيان عبارات اخري غير متفق عليها لينسف الاجتماع.

وكانت اخر مفاوضات شهدتها القاهرة للمصالحة 28 نوفمبر 2018 تعثرت أيضا بسبب تحفظات من جانب فتح وحماس معا.

فقد وافقت «حماس» على «تمكين» الحكومة من السلطة في غزة بما في ذلك «الملفات الصعبة» ولكن بشرط اعتماد «اتفاق 2011» فيما يخص قوى الأمن، وعدم المس بسلاح الفصائل، وأن يكون التمكين للحكومة الحالية محدداً بسقف زمني يصار بعده إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، مهمتها إجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية، ويكون قد تم الاتفاق أثناء ذلك على إعادة تفعيل منظمة التحرير، وإجراء انتخابات لها كذلك.

وتريد «حماس» اتفاق 2011؛ لأنه يقضي بتشكيل حكومة وحدة وطنية مهمتها إجراء انتخابات بعد أشهر، ويعطيها الحق بالتدخل في إعادة تشكيل عقيدة الأجهزة الأمنية، كما أنه يشمل منظمة التحرير؛ لكن «فتح» تريد اتفاق 2017؛ لأنه يقضي بتسليم «حماس» الحكومة الحالية -وهي حكومة التوافق الوطني -قطاع غزة فوراً، بما يشمل الأمن والمعابر والجباية والقضاء وسلطة الأراضي.

وترفض حركة «فتح» تسلّم قطاع غزة بوجود شروط، وتريد تمكيناً كاملاً للحكومة الحالية، من دون أن يرتبط ذلك بإجراءات الرئيس الفلسطيني ضد قطاع غزة، باعتبار أن الحكومة إذا تسلّمت غزة فستكون هي المسؤولة عن القطاع وعن توفير كل الخدمات له، كما ترفض تشكيل حكومة وحدة في هذا الوقت.

وقيل إن المخابرات المصرية قدمت «ورقة مصرية معدلة» من أجل التوفيق بين الطرفين الفلسطينيين، وهو اتفاق متزامن قائم على خطوة تتلوها خطوة، يقوم على تلبية مطالب الطرفين، ولا يحمل أي جديد عن الاتفاقات السابقة، مثل أن تمكين الحكومة بشكل كامل يفتح الباب لرفع الإجراءات، مع تأجيل حسم رواتب موظفي «حماس» باعتبار أن هناك دفعة مالية موجودة حالياً، وستستمر 6 شهور، وإجراء مناقشة حول مسألة السلاح في غزة العائد لفصائل المقاومة، إلى حين «إصلاح» منظمة التحرير الفلسطينية وإجراء انتخابات لها تشارك فيها «حماس».

وقد حاول إسماعيل هنية في حوار بجريدة المصري اليوم خلال زيارته الأخيرة لمصر فبراير 2019، أن يشدد علي رفض المقاومة التخلي عن سلاحها بسرد قصة بطولة المقاومة في حماية غزة قائلا إن “المقاومة داخل غزة استطاعت قصف تل أبيب في 2012، واستطاعت الصمود في حرب الـ 51 يوما في 2014، ووصلت لمستوى نظرية الردع مع الاحتلال الإسرائيلي”.

وأضاف أنه “بعد 2014 استطاعت غزة بناء مقاومة تحمى القطاع وعصية على الكسر، وفى أي مواجهة قادمة سيشاهد العالم العربي شيئا مختلفا عن 2014، ورغم الحصار الذي إذا تعرضت له كيانات كبرى ودول لكانت انهارت، إلا أننا استطعنا إدارة القطاع أمنيا وإنهاء الانفلات الأمني، وهناك إحكام أمنى في قطاع غزة من خلال أداء الأجهزة الأمنية وتعامل المواطنين معها، لذلك على مستوى بناء المقاومة وتراكم القوة والنجاح وتوفير الأمن في إدارة المنظومة المدنية نقول إن غزة لم تنهر رغم ظروف الحصار”.

أيضا حاول هنية وضع خارطة طريق «للخروج من الأوضاع ومواجهة التحديات ترتكز على 4 عناصر، (أولها) حماية القضية الفلسطينية وعدم التفريط في الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، ولن تكون هناك قوة سواء أمريكا أو إسرائيل تستطيع فرض شيء لا يقبله الشارع الفلسطيني، ورفض التعاطي مع الصفقات المشبوهة، وإحياء المقاومة بمعناها الشامل السلمي والعسكري، والعمل على ضرورة استعادة وحدة الصف الفلسطيني.

وأشار إلى أن (ثاني) تلك العناصر يتمثل في تحقيق الوحدة الوطنية، مشيرا لأن حماس قدمت الكثير من جانبها لإنهاء حالة الانقسام، و(ثالث) هذه العناصر هو العمل على ضرورة إنهاء حصار قطاع غزة، و(رابعها) يتعلق بتعزيز العلاقات مع المحيط العربي، باعتبار أن القدس ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، فمصر خاضت حروبها لأن فلسطين قضية مصرية عربية.

المصالحة والانتخابات الإسرائيلية

وتري القاهرة أن الوقت الحالي فرصة جيدة للمصالحة خاصة في ضوء انشغال تل ابيب بانتخابات برلمانية ربما تأتي بنتنياهو المتعنت الأكبر في تقديم أي تنازلات للفلسطينيين، أو تحالف الجنرالات (ليبيد – جانيتس) الذي قد يكون اشد تطرفا من نتنياهو وتشير الاستطلاعات لتفوقه على حزب نتنياهو بنسبة (36 الي 30 مقعد)، فضلا عن أن تحقيق المصالحة يسهل البدء في ملف التهدئة بين الاحتلال وغزة ومنع حرب جديدة.

وتشهد الانتخابات تحالفات بين الأحزاب الإسرائيلية وتكتلات جديدة من المعسكرين اليمين واليسار، قبيل الانتخابات الإسرائيلية المزمع عقدها في التاسع من ابريل لهذا العام، قد يكون لها تأثيرات على القضية الفلسطينية.

أبرز هذه التحالفات هو تكتلات اليسار الإسرائيلي، الذي يسعى لتقليل فرص الليكود في التفرد بمستقبل “إسرائيل” في المنطقة، وتوجهاتها السياسية في التعامل مع المقاومة الفلسطينية والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص.

ويرى مراقبون فلسطينيون أن العبء المُلقى على الحكومة الإسرائيلية المقبلة بعد الانتخابات يتمثل في ثلاثة أهداف رئيسة:

(الهدف الأول): استعادة حالة الردع وتمكين القوة العسكرية والأمنية الإسرائيلية من السيطرة على الضفة الغربية وقطاع غزة.

(الهدف الثاني): تنفيذ صفقة القرن والتي تُعد هدفاً استراتيجياً لتأمين مستقبل “إسرائيل” في منطقة الشرق الأوسط.

(الهدف الثالث): مواصلة التطبيع مع الدول العربية والسيطرة على المياه والنفط في الإقليم، من خلال توقيع الاتفاقات الاقتصادية والأمنية، والقضاء على النفوذ الإيراني في المنطقة.

وهذه الاهداف الثلاثة قد تتعرقل أو يسهل تحقيقها بموجب تطورات المصالحة الفلسطينية وقدرة الفصائل على مواجهة هذه التحديات بشكل مختلف لو كانت موحدة عما إذا كانت متفرقة.

التوقعات تشير بالتالي لأن القاهرة قد تدعو لجلسة مفاوضات جديدة خلال ايام للفصائل الفلسطينية للاتفاق على اتفاق جديد للمصالحة يراعي نقاط الخلاف التي ظهرت في مفاوضات عام 2018 ومفاوضات موسكو الاخيرة، استعدادا لإعلان إدارة ترامب صفقة القرن، وظهور نتائج الانتخابات الاسرائيلية.

أما سبب الاستعجال المصري فيرجع لأن تعامل حكومة تشكلها حكومة عباس في الضفة وغزة معا – حال اتمام اتفاق المصالحة حولها – مع إعلان صفقة القرن سيكون أهدأ وأكثر قبولا للصفقة مما لو استمر الوضع على حاله في غزة وأعلنت حماس رفض الصفقة ثم جاءت حكومة جديدة متطرفة ودخلت في حرب خامسة مع غزة، هي في واقع الامر مؤجلة وليست مستبعدة من جانب الاحتلال بعدما تغيرت معادلات القوة بين غزة وتل ابيب وظهر رادع فلسطيني تسعي تل ابيب للقضاء عليه واعادة معادلة القوة والهيمنة مرة أخري.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...