فضل الانقلاب في الإسلام بقلم: د. محمد محسوب

z

 

بقلم: د. محمد محسوب
سؤال طرحه أحد علماء السنغال على وفد مشايخ من الأزهر الشريف أثناء زيارتهم لبلده، في تقليد قديم اتبعه الأزهر منذ عشرات السنين قياماً بدوره الدعوي والتوعوي والعلمي.
وربما أدب الرجل جعله يقتصر على طلب “اشرحوا لنا الانقلاب في الإسلام”، ولو شاء مزيداً من السخرية لقال: “دلونا على فضل الانقلاب في الإسلام حتى نقتدي بكم”.. ولو فارق حدود اللياقة قليلاً، لقال لهم: “عودوا من حيث جئتم.. فلم تعودوا لنا قدوة”.
نحن أمام حدثٍ صغير يعبر عن كارثة من ضمن العظائم التي تضرب بلدنا ومكوناته ومصادر قواه الناعمة والخشنة.. فالأمر لا يتوقف عند التنازل عن حقوقنا التاريخية في مياه النيل ومنح إثيوبيا صكاً قانونياً يطلق يدها في التحكم بمجرى المياه التي نحيا على تدفقها، ولا يقتصر على التنازل عن مصادر الطاقة التي تضمن لنا بعض طمأنينة في المستقبل من خلال إعادة ترسيم جائرة لحدودنا البحرية في البحر المتوسط؛ ولا يكتفي بالتنازل عن مضيق تيران وملكيتنا للجزيرتين، بما كان يمنح مصر حقوق السيطرة على الملاحة فيه حتى لو أقرت باتفاقات السلام أنه ممر دولي، فيبقى ممراً دولياً ضمن مياهها الداخلية كقناة السويس.
بل يتجاوز الانقلاب كل ذلك ليضيع عناصر القوة الناعمة التي بنتها مصر عبر مئات السنين، وفي مقدمتها دور الأزهر ورمزيته في العالم الإسلامي، فبعد أن كانت صورة الأزهر تتمثل في تلك المؤسسة العلمية الدعوية التي ترفع راية الإسلام وتدافع عن مقاصده وتمثل الاعتدال والوسطية الإسلامية، وتقود بعلمائها وأفكارها المقاومة ضد الاحتلال الأجنبي -كما حدث بثورتي القاهرة الأولى والثانية- وضد المظالم الداخلية كما سطر مشايخه تاريخهم في الوقوف في وجه كل سلطان جائر على مر العصور.
حتى إن نابليون لم يشأ أن يدخل أبواب القاهرة قبل أن يتظاهر بإعلان إسلامه طلباً لدعم الأزهر ولمعرفته بقدره، ومع ذلك لم تنجح حيلته، ولم تمر أشهر حتى خرج الأزهريون يقودون حراك الشعب لطرد المحتل.
هذا التاريخ لم يلوثه شيء حتى أتى اليوم الذي يقبل فيه بعض أبناء الأزهر أن يتحول إلى مجرد وسادة على يمين جنرال ليتكئ عليها وهو يعلن بدء سنوات الظلم وعصر الظلمات والجهل، بينما منارة العدل منطفئة وعمود العلم منكسر بجواره.
أضاع الانقلاب الأزهر وبدد قيمته كما أضاع حقوقنا في الجغرافيا وفي المياه وفي الثروات وفي الأمن الإقليمي.
لكن العتب ليس عليه، فهو انقلاب، ليس له في فقهنا سوى أنه تمرد على الشرعية وإهدار لحقوق البلاد والعباد واستعمال للدولة في قتل الشعب وخنق حرياته وأكل ماله، وبالتالي فلا يتوقع منه أن يدافع عن حقوق الفقراء أو أن يسعى لرفع الغبن عن المظلومين أو أن يدعم دور الأزهر أو أن يرفع من قدر الكنيسة أو أن يدعم العلم والعلماء أو أن ينهض بالجامعات والتعليم، أو أن يحسن الصحة والرعاية. فهو انقلاب عن قيم الحياة السوية والسياسة الصحيحة إلى ممارسات الظلم ومساخر الجهل.
العتب ليس عليه؛ لأنه أعلن بوضوح أنه يدير “شبه دولة” ولا يبحث عن “الريادة”، وأن مصر بلد عادي في عالم غير عادي، بما يشبه إعلان الاعتزال في سن الشباب بسبب حادثة ذهبت برونق الشباب، فهو لا يعلم قيمة الدولة التي استولى فيها على السلطة بالسلاح، ولا يعرف مكامن قوتها ولا مصادر ريادتها، هو لا يقدر إلا مصادر “الرز” ومكامن الدولار والريال.
العتب على من ارتدى ملابس العلماء ونهج منهج الانقلابيين، ومن جعل عمامته في خدمة من يهين عمامته ويحتقر علمه ولا يقدر للأزهر دوراً ولا يعرف له وظيفة سوى وظيفة الخدمة في بلاط الجنرال.
العتب على من سكت عن وقوف رمز الأزهر بجوار رمز الانقلاب فاختلط الحابل بالنابل، والعمامة بحذاء الظلم، والجهل بعلوم الشريعة، وتبرير قتل النفوس بشريعة تعصم نفوس البشر بل ونفوس الحيوان.
العتب على من وضع الأزهر في حصالة الانقلاب ليصبح بعض بضاعته.
وربما كان على من دفع بالأزهر لهذا المقام المخجل أن يزود تلامذته قبل محاضرات “استحلال دماء المواطنين” التي تلوها على مسامع عساكر وضباط القوات الخاصة قبل فض “رابعة”، بفتوى تشرح لهم وجوب الانقلاب على اختيارات الشعوب ومنافع دعم الأنظمة المستبدة في المذاهب الأربعة! حتى إذا سئلوا في بلاد المسلمين حول “رأي الإسلام في الانقلاب”، أجابوا بما يزيد عدد الانقلابات في بلاد المسلمين ويشرح صدور الطغاة في العالم.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...