بالتنازل عن «تيران وصنافير».. هل أدى السيسي دوره في «صفقة القرن»؟

مع حلول الذكرى الثالثة للتفريط في التراب الوطني من جانب نظام الانقلاب، فإن تنازل زعيم الانقلاب عبد الفتاح السيسي عن جزيرتي “تيران وصنافير”، وتفريطه في التراب الوطني  بالتوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، في 8 أبريل 2016م، قد غيّر الخريطة الإقليمية بما يمكن وصفه بأنه جزء من «صفقة القرن» التي تم التعبير عنها لأول مرة في أبريل 2017، خلال زيارة السيسي لواشنطن، ولقائه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي ينتمي إلى اليمين المتطرف.

بمعنى أدق فإن الشروع في تنفيذ الصفقة قد بدأ قبل الحديث عنها وفضحها عبر وسائل الإعلام؛ حيث كان السيسي هو أول من استخدم هذا المصطلح “صفقة القرن” خلال زيارته لواشنطن، عندما قال نصا «ستجدني يا سيادة الرئيس ترامب إلى جانبك في صفقة القرن».

الصفقة إذًا لها علاقة كذلك بإسرائيل، فهي موجودة في قلب الحدث، وهناك نوع من التطبيع الشامل في قلب المنطقة، فضلا عن رغبة إسرائيلية في التحكم بالممر البحري الموجود في البحر الأحمر. فهناك وثائق يعود تاريخها إلى الحرب العالمية الأولى والثانية، تثبت ملكية مصر للجزيرتين، كما أن بريطانيا التي كانت تحتل مصر وضعت مدافع على تلك الجزر بهدف حماية قناة السويس من الهجوم. بخلاف وجود خرائط كثيرة في مكتبة برلين تؤكد أن الجزيرتين مصريتان، ولا توجد وثيقة واحدة تقول بغير ذلك.

وعلى الرغم من هذه الأدلة الدامغة والاحتجاجات الشعبية الرافضة للتنازل عن الجزيرتين، ثم حكم القضاء الإداري في يونيو 2016 بمصرية الجزيرتين، ثم الحكم البات في يناير 2017 من الإدارية العليا، إلا أن النظام العسكري ضرب بكل ذلك عرض الحائط، وسلّم الجزيرتين في يوليو 2017 للجانب السعودي.

أهداف الصفقة الحرام

وتنازُل السيسي عن الجزيرتين لم يكن بالأساس طلبًا سعوديًّا؛ ولكنه طلب “إسرائيلي” تم تنفيذه عبر الرياض؛ وذلك في سياق الصفقة الإقليمية الكبرى التي أريد بها تحقيق الأهداف الآتية:

أولا: تكريس سيطرة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وإظهاره في صورة البطل القومي الذي استعاد الجزيرتين، رغم عدم وجود أي أدلة أو وثائق سعودية تثبت موقف الرياض، وذلك تمهيدًا لتصعيد ولي العهد على العرش السعودي، حيث يحظى بدعم واسع من كل من واشنطن وتل أبيب.

ثانيا: يفوز السيسي بشيئين: الأول هو ضمان بقاء نظامه عبر الرضا الأمريكي الإسرائيلي باعتباره المشروعية لنظامه في ظل غياب المشروعية الدستورية والشعبية والأخلاقية، حيث تأسس نظامه عبر انقلاب عسكري على مسار ديمقراطي وحكومة منتخبة، والتغاضي عن انتهاكاته لحقوق الإنسان وجرائمه المتواصلة بحق المصريين. والثاني الحصول على مساعدات مالية مغرية تصل إلى حوالي 25 مليار دولار، معظمها على هيئة شحنات وقود تضمن عدم وجود أزمة وقود في مصر لعدة سنوات.

ثالثا: يكون الفائز الأكبر هو إسرائيل؛ وذلك للأسباب الآتية: أولها تحول خليج العقبة ومضيق تيران من ممر مائي محلي تسيطر عليه مصر من الألف إلى الياء إلى ممر مائي دولي، ما يعني فقدان مصر السيطرة عليه، وعدم التحكم في السفن التي تمر خلاله، وبذلك يستحيل على مصر غلق المضيق حتى في ظل توتر العلاقات مع الصهاينة، وتحولها إلى حرب مفتوحة كما كان في السابق. وثانيها هو ضمان تتويج زعامات فارغة ومتواطئة على رأس أكبر البلاد العربية مثل السيسي في مصر، و”بن سلمان” في السعودية. وثالثها هو ضمان سيطرة وتفوق إسرائيل الإقليمي وبسط نفوذها على صناعة القرار في كبرى العواصم العربية التي باتت أقرب إلى البلاد المحتلة بالوكالة، تمارس عليها “تل أبيب” سلطتها عبر زعماء خونة متواطئين.

الصفقة أيضا في جانب من جوانبها كانت تمثل تدشينًا لتحالف جديد يضم “إسرائيل” إلى جانب مصر والسعودية والإمارات؛ بهدف مواجهة ثلاث قوى هي النفوذ الإيراني من جهة والذي يسبب أرقًا كبيرًا للصهاينة تعبر عنه السعودية باستمرار وتبالغ في تضخيم هذا الخطر استرضاء لتل أبيب، وليس تعبيرًا عن تهديدات حقيقية تمس السعودية. والمحور التركي القطري والتيارات الإسلامية المعتدلة، وهو المحور الذي ينحاز إلى تطلعات الشعوب نحو الحرية والاستقلال وتحرير القرار السياسي من هيمنة ونفوذ واشنطن وتل أبيب. والمحور الثالث هو القوى الراديكالية المسلحة مثل تنظيم داعش والقاعدة وغيرها. وإن كان هذا الفريق الثالث يمثل تهديدا محدودا يتم المبالغة فيه وتضخيمه لتحقيق أهداف سياسية، وخلط الأوراق ببعضها باتهام المحور التركي القطري الإسلامي بالتورط مع حركات وتنظيمات مسلحة، وهو خلط يراد به الابتزاز والتشهير.

تحولات ضخمة

بهذا التحول يصبح لإسرائيل حق مرور سفنها إلى ميناء أم الرشراش (إيلات) مثلها مثل الأردن في المرور إلى ميناء العقبة. وستتشابك مصالح الدول الأربع، وتجد نفسها تتقاسم المنافع والخدمات والتسهيلات. إذًا عملية الانتقال ليست قصة بينية بين مصر والسعودية فحسب، بل ستضع إسرائيل على قدم المساواة مع بقية الدول الثلاث. إنها مقدمة لاستغلال إسرائيل للوضع لصالحها والاستمرار في بناء مشروعين عملاقين: قناة تربط إيلات بالبحر المتوسط، وخط سكة حديد يربط إيلات بميناء أسدود. ليس لأحد حق الآن فيما تدخل إسرائيل من معدات ضخمة وأجهزة حفر كبيرة من الممر المائي، الذي لم يعد منذ اليوم الأول من يوليو  2017 مياها إقليمية مصرية.

وبقي أن نؤكد أن صفقة التنازل عن “تيران وصنافير” تتسق تاريخيًّا مع مطالب دول غربية  منحازة للصهاينة، كانت تجادل في أن مضيق تيران هو مياه دولية، وبالتالي ينطبق عليها مبدأ «كورفو» للملاحة في أعالي البحار (قضية أمام محكمة العدل الدولية 1947- 1949). وقد اعتمدت الجمعية العامة على غضب من كل الدول العربية عام 1957 «المعاهدة الدولية للحدود البحرية»، في البند 16 الفقرة الرابعة، التي تنص على حرية الملاحة البريئة (هكذا) في مضايق مائية مرتبطة من جهة بأعالي البحار وحدود بحرية لدولة أخرى». وكان المقصود في هذا إعطاء إسرائيل حق المرور في مضايق تيران، باعتبارها مياها دولية، وهو ما رفضته مصر تاريخيًّا.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...