مغزى التوقيت.. 5 عوامل وراء تمرير «ترقيعات الدستور» في 2019

رغم تحذيرات بعض تقديرات الموقف التي رفعتها الأجهزة الأمنية لزعيم الانقلاب عبد الفتاح السيسي، حول الإصرار على تمرير تعديلات الدستور في ظل الأوضاع الراهنة، إلا أن النظام أصر على تمرير هذه التعديلات مهما كانت التحذيرات والعواقب.

وبحسب مصادر مطلعة بالنظام، فقد كان هناك تصوران لدى الأجهزة الأمنية:

الأول: كان يحذر من هذه التعديلات معتمدًا على تآكل شعبية النظام وتفكك تحالف 30 يونيو منذ سنوات، وتصاعد الغضب الشعبي على خلفية موجات الغلاء الفاحش، وارتفاع أسعار جميع السلع والخدمات، وفشل النظام في توفير الحد الأدنى من مقومات الحياة وتحسين مستويات المعيشة التي وعد بها إبان فترة الانقلاب على الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، وإهدار مئات المليارات على مشروعات وهمية لم تسهم حتى اليوم في رفع مستويات المعيشة، وكذلك اتهام النظام من جانب قطاع كبير من الشعب بالتفريط في التراب الوطني عبر التنازل عن جزيرتي “تيران وصنافير” للسعودية، وكذلك التحالف الوثيق والمشبوه مع الكيان الصهيوني الذي احتل لسنوات طويلة أرضنا، وقتل مئات الآلاف من شباب مصر في حروب طويلة قبل التوصل إلى السلام المزعوم مع إسرائيل.

وهذا الفريق كان يرى ضرورة تخفيف حدة الاحتقان والانقسام المجتمعي، وفتح المجال السياسي، وتخفيف القيود الأمنية على العمل السياسي والاجتماعي، مع استمرار الحرب ضد الإسلاميين، وأن هذه الإجراءات من شأنها إعادة لم شمل تحالف 30 يونيو من جديد.

الثاني: كان يرى أن النظام في خطر إذا لم يتم تعديل الدستور وضمان بقاء السيسي في الحكم؛ خوفًا من مجيء رئيس جديد يفتح ملفات الجرائم التي ارتكبها السيسي وكبار القادة والجنرالات بحق الشعب المصري منذ ثورة 25 يناير حتى اليوم، ورغم أن السيسي أصدر قانون تحصين كبار القادة، إلا أن ذلك لا يحقق الأمن المنشود من جانب هؤلاء، وضمان عدم محاكمتهم على الجرائم التي ارتكبوها.

وقد أشار المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق، إلى أن هناك سيديهات توثق المتورطين في هذه الجرائم، وعلى رأسهم قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، وهو ما أفضى إلى اعتقال جنينة والحكم عليه عسكريًّا.

وعلى مدار سنوات كان يتم جس نبض المجتمع ومدى قبوله بهذه التعديلات منذ 2015م، حيث طرحت في حوارات مغلقة وتصريحات لنواب موالين للأمن. وفي النهاية كتب للفريق الثاني أن ينتصر على الرأي الأول، مدعومًا بتعاظم مخاوف السيسي نفسه وخشيته من محاكمته على الجرائم التي ارتكبها حتى وصل إلى مرحلة عدم الثقة في أي رئيس قادم حتى لو كان من داخل المؤسسة العسكرية ذاتها.

وهو ما يفسر إقصاء السيسي لكل من شاركه في الانقلاب من جهة، وكل من يحتمل أن يكون منافسًا له على عرش مصر من جهة ثانية، فقد أقصى عشرات الجنرالات وجاء بآخرين من الصفوف الخلفية حتى يضمن ولاءهم المطلق، كما أطاح بهؤلاء الطامحين لكرسي الحكم، كما حدث مع الفريق سامي عنان وأحمد شفيق وأحمد وصفي وأسامة عسكر وغيرهم.

5 عوامل ومغزى التوقيت

ويمكن رصد 5 عوامل تقف وراء تصميم النظام على تمرير هذه التعديلات في هذه التوقيت:

أولا: استغلال وجود دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية وهيمنته على القرار الأمريكي، وهو الذي يعرب باستمرار عن إعجابه الشديد بالجنرال السيسي، خصوصًا في حربه ضد الإسلاميين؛ خاصة وأن ترامب ينتمي لليمين المتطرف المعادي للإسلام، وقد صرح بذلك مرارًا وتكرارًا، كما يُبدي إعجابًا شديدًا بالتحالف الوثيق الذي يجمع بين السيسي وحكومة اليمين المتطرف في “إسرائيل” بزعامة بنيامين نتنياهو.

ثانيا: يستغل السيسي لهفة الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني نحو تمرير ما تسمى بـ”صفقة القرن”، وعلى هذا الأساس قايض السيسي واشنطن وتل أبيب على القيام بدور كبير كعرَّاب لهذه الصفقة، مع ضمان عدم اعتراض الغرب والأمريكان على تعديلات الدستور التي تفضي إلى ضمان تأبيده في السلطة ومنحه صلاحيات فرعونية مطلقة. وقد بدأ السيسي في تقديم قرابين الولاء مبكرًا من خلال عدة إجراءات مبهرة للصهاينة، منها الانقلاب على المسار الديمقراطي، وشن حرب فاشية ضد الإسلاميين، والإجهاز على ما تبقى من ثورة يناير، والتنازل عن “تيران وصنافير” استجابة لطلبات صهيونية بهذا الشأن، وإقامة تحالف وثيق مع إسرائيل، وضمان المصالح الأمريكية في مصر والمنطقة، وقيادة الحرب ضد الإسلاميين على مستوى الإقليم، وتقديم الجيش المصري كله ليكون خادمًا للمصالح الأمريكية الإسرائيلية من خلال التوقيع على اتفاقية (CISMOA) في يناير 2018، والتي تجعل من الجيش المصري فرقة تابعة للجيش الأمريكي وقت الحروب.

ثالثا: استغلال هرولة نواب البرلمان للفوز برضا النظام قبل انتخابات 2020، وتوظيف هذه اللهفة لتمرير التعديلات، فالنظام يقايض النواب الموجودين حاليًا بأنهم لن يكونوا نوابًا في برلمان 2020 إلا إذا أظهروا أعلى درجات الولاء والفعالية في دعم تمرير هذه التعديلات.

رابعا: استغلال ضعف المعارضة وعدم قدرتها على مواجهة النظام أو وقف أطماعه في “التكويش” على كل شيء في مصر، والعمل على دق الأسافين وتوسيع الفتنة بين مكونات ثورة يناير من الإسلاميين والعلمانيين باستمرار، وضمان الفرقة بينهم وفق قاعدة “فرق تسد”.

خامسا: يسعى السيسي لتشديد قبضته السلطوية قبل الإقدام على أخطر القرارات الاقتصادية وأكثرها صعوبة، بإلغاء الدعم بشكل كامل وتحرير أسعار الوقود، وهو ما تعهد به النظام لصندوق النقد الدولي، الذي كشف في أحدث تقاريره عن هذه الإجراءات القاسية في يونيو المقبل.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...