التدابير الاحترازية.. إهانة وتكدير واستنساخ لسجن أشد قسوة

أثارت الانتهاكات التي تقوم بها وزارة الداخلية في حكومة الانقلاب، خلال إجراءات المراقبة التي تفرضها على النشطاء السياسيين والمعتقلين بعد الإفراج عنهم من السجون المصرية، ردود أفعال دولية واسعة، خاصة بعدما تحولت المراقبة الشرطية لإجراء أشد قسوة وتعسفا من السجن، عن طريق إجبار الشخص المراقب بتنظيف القسم والذهاب يوميًّا من الصباح وحتى منتصف الليل، والقيام بعمليات وتكليفات خاصة للضباط، وغيرها من الانتهاكات التي تحدث في الأقسام.

وكشفت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” في تقريرها المنشور أمس الخميس، عن أن المراقبة الشرطية في مصر أصبحت بمثابة “نصف سجن”، مشيرة إلى إطلاق سراح المصور الصحفى محمود أبو زيد الشهير بـ”شوكان”، عقب انتهاء فترات العقوبة المقررة عليه في قضية “فض اعتصام ميدان رابعة العدوية”، والانتهاكات التي تحدث له ولغيره في الأقسام.

ونقلت “بي بي سي” عن أحد المراقبين في أقسام شرطة الانقلاب، أن نوبة المراقبة الشرطية الليلية تلزمه بالمبيت في قسم الشرطة يوميا لثلاث سنوات، موضحة أن غيره كمئات آخرين في مصر، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، ومراقبة شرطية لثلاث سنوات أخرى كعقوبة تكميلية تحتم عليه أن يقضي في قسم الشرطة التابع له 12 ساعة يوميا من السادسة مساء حتى السادسة صباحا.

ونقلت عن شخص يدعى رامي: “قضيت ثلاث سنوات في السجن كعقوبة في اتهام سياسي، لكن ربما فترة المراقبة اللاحقة التي أقضيها أشد قسوة من السجن”.

وأضاف: “يتم التحفظ عليَّ من السادسة مساء حتى السادسة صباحا وغير مسموح باصطحاب هاتفي أو أي جهاز إلكتروني، ولنصف اليوم أكون في عزلة تامة عن العالم. فُصلت من الكلية التي كنت أدرس بها وأنا في السجن. هذه المراقبة دمرت حياتي فأصبحت لا أستطيع أن ألتحق بأي عمل لضيق الوقت”.

وقالت “بي بي سي”، إن المحاكم المصرية توسعت مؤخرا في إضافة عقوبات تكميلية لاحقة لأحكام السجن، لا سيما في القضايا ذات الطابع السياسي، وكذلك فرض تدابير احترازية لمن يخلى سبيله على ذمة قضية من المحبوسين احتياطيا، وهو ما يعتبره متابعون يهدف إلى “تضييق الخناق على النشطاء السياسيين ومتابعة أنشطتهم المعارضة للسلطة”.

ونقلت عن الشخص المتحدث “رامي” أنه بعد الخروج من القسم يكون متعبا، فلا فرصة للنوم بالداخل ولا غرفة محددة للمراقبين، فيقضي ما تبقى له من اليوم ما بين النوم والجلوس مع الأهل، مضيفا: “استمرت عائلتي في الإنفاق علي ثلاث سنوات وأنا سجين، وها هي تعيد الكرة فلا صاحب عمل يقبلني”.

وأوضحت “بي بي سي” أن التدابير الاحترازية التي تقضي بها المحاكم تعني متابعة قسم الشرطة بصفة دورية وتهدف بالأساس إلى استبدال الحبس الاحتياطي وفقًا لنص المادة 201 من القانون رقم 150 لسنة 1950 والتي تم تعديلها عام 2006 من قانون الإجراءات الجنائية، وحدد المشرع العقوبة التكميلية بعد قضاء مدة الحبس على ألا تزيد مدتها عن 5 سنوات فى كل الأحوال.

وهناك عدة أنواع للتدابير الاحترازية تقررها وزارة الداخلية بحق من يخضعون للمراقبة، أبرزها عدم مغادرة المتهم للمنزل لساعات محددة، أو قيام فرد أمن من قسم الشرطة التابع له المتهم بالمرور عليه بمسكنه، أو أن يقوم المراقب بتسليم نفسه للقسم التابع له لمدة ثلاث ساعات يوميا أو مرة واحدة أو مرتين أسبوعيا.

أما الصحفي “سامحي مصطفى” الذي قضى في السجن نحو 4 سنوات في القضية المعروفة إعلاميا بـ”غرفة عمليات رابعة”، فاشتكى من وضع المراقبة في إحدى تغريداته بعد حادث سير كاد أن يودى بحياته، وقال إنه رغم الحادث لم يسمحوا لي بإجازة أو راحة من المراقبة.

ونقلت “بي بي سي” عن منظمة العفو الدولية على لسان الباحث المتخصص في الشؤون المصرية حسين بيومي، أن تدابير المراقبة القاسية في مصر هي في الحقيقة شكل آخر للاحتجاز التعسفي الذي تمارسه السلطات المصرية ضد عدد كبير من النشطاء والمعارضين السلميين، لا لشيء إلا أنهم عبروا عن آرائهم بسلمية”.

وأكد بيومي أن المراقبة الشرطية أصبحت تستخدم كوسيلة “لقمع المعارضة وإسكات المعارضين في مصر”.

وفي تقرير بعنوان “تحت البصر”، ذكرت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان قيام السلطات القضائية خلال العام المنصرم بإخلاء سبيل 174 متهما على الأقل بتدابير احترازية على ذمة قضايا على خلفية سياسية، بينما هناك مئات يخضعون للمراقبة بموجب أحكام قضائية.

وأشار التقرير إلى أن “التدابير الاحترازية ومثلها عقوبة المراقبة الشرطية تسلب العديد من الحقوق الشخصية للمتهم، وتقيد نشاط المراقب وحركته في المجتمع نهارا وفي أغلب أيام الأسبوع”.

وقالت لجنة حماية الصحفيين الدولية CPJ في بيان لها بعنوان “في مصر… تنتهي الحرية يوميا في الساعة السادسة مساء بالنسبة لشوكان وعلاء عبد الفتاح”: “يتوجب على علاء والمصور الصحفي شوكان الذهاب إلى قسم الشرطة في السادسة مساء يوميا، وأنه من حق الضابط المسؤول في قسم الشرطة أن يقرر ما إذا كان عليهما أن يقضيا الليل في الزنازين أو أن يوقعا في دفتر الحضور ثم ينصرفا، ولكنهما منذ الإفراج عنهما قضيا كل ليلة خلف القضبان”.

من ناحية أخرى كشف موقع “مدى مصر” أن كثيرين قضوا فترة سجنهم في قضايا سياسية، وخرجوا إلى سجن آخر اسمه المراقبة الشرطية. لكن العقوبة ليست سياسية فقط. في جميع أقسام الشرطة، هناك اﻵلاف من المساجين المؤقتين يقضون نصف يومهم في حوزة الشرطة في ظروف سيئة، ودون مبررات قانونية، بحسب محامين وباحثين.

وأشار “مدى مصر” إلى أنه في أعقاب ثورة يناير 2011، وخلال الفترة الانتقالية التي تولى فيها مقاليد الحكم، أصدر المجلس العسكري عددًا من القوانين من بينها قانون «البلطجة»، الذي نص على المراقبة الحتمية لكل من يُدان بمخالفة أحكامه، وهو القانون الذي اعتبرت دراسة نشرتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية اليوم، الثلاثاء، أن صياغته غير واضحة وغامضة ومطاطة.

بحسب دراسة المبادرة، تنقسم المراقبة إلى خمسة أنواع:

* المراقبة الخاصة: وهي صدور حكم قضائي بالمراقبة كعقوبة أصلية، والقانون المصري لا يُطبق المراقبة كعقوبة أصلية إلا في جريمة التشرد.

* المراقبة التكميلية: في حالة صدور حكم قضائي بالوضع تحت مراقبة الشرطة كعقوبة تكميلية لعقوبة أصلية مقضي بها.

والمراقبة التكميلية إما وجوبية؛ يُلزم القانون توقيعها في حالة الترويع والتخويف والمساس بالطمأنينة (البلطجة)، أو جوازية يترك القانون فيها للقاضي تقدير توقيعها، وتكون في جرائم مختلفة من بينها قتل بعض أنواع الحيوانات عمدًا، أو إتلاف الزراعات والأشجار.

* المراقبة التبعية: تطبق في حالة صدور حكم قضائي بالإدانة في جرائم أو بعقوبات معينة حددها المشرع دون حاجة إلى ذكر عقوبة الوضع تحت المراقبة صراحة في منطوق الحكم، مثل الحكم بعقوبة السجن المؤبد لجريمة القتل العمد.

* المراقبة البديلة: هي في حالة صدور قرار بالإفراج المبكر عن محكوم عليه (تحت شرط)، وهي تعني الإفراج المبكر عن محكوم عليه مع قضاء باقي عقوبته في فترة مراقبة.

* مراقبة ما بعد العفو الرئاسي: في حالة صدور قرار من رئيس الجمهورية بالعفو عن محكوم عليه بالسجن المؤبد أو بُدلت عقوبته، ويوضع تحت مراقبة الشرطة لمدة خمسة سنوات، وذلك ما لم ينص قرار العفو على خلاف ذلك.

عقوبة المراقبة تخضع لتنظيم القانون 99 لسنة 1945. بحسب المادة 2 من القانون، يجب على من يوضع تحت مراقبة البوليس أن يعين لمكتب البوليس الجهة التي يريد اتخاذها محلاً لإقامته مدة المراقبة. كما يجب عليه «أن يكون في سكنه أو في المكان المعين لمأواه عند غروب الشمس وألا يبرحه قبل شروقها»، بحسب المادة 7.

وتشير شكل المراقبة إلى تعامل الداخلية وكأن لها السلطة المطلقة في تحديد مكان قضاء الليل دون التزامها بأي قواعد، فتقوم غالبًا بتحديد طرقات مراكز وأقسام الشرطة سكنًا ليليًا لمعظم الخاضعين للمراقبة، بغض النظر إذا كان لديهم سكن أم لا، ونادرًا ما يتم تحديد سكن المراقَب كمكان لقضاء الليل.

واعتبرت ورقة قانونية نشرتها المجموعة المتحدة للقانون، الأربعاء الماضي، أنه «لا يجوز إيداع أو احتجاز المراقَب داخل أقسام الشرطة في الفترة المخصصة للمراقبة التي نص عليها القانون، إن لم يكن له محل سكن يأوى إليه في دائرة القسم».

لا يواجه المراقَب شبح قضاء نصف يومه في قسم الشرطة فقط. تصل الانتهاكات ضد المراقَبين إلى حد إجبارهم على العمل قسريًا، طبقًا للدستور، والذي نصت المادة 62 منه على عدم جواز «إلزام أي مواطن بالعمل جبرًا إلا بمقتضى قانون ولأداء خدمة عامة لمدة محددة وبمقابل عادل ودون إخلال بالحقوق الأساسية للمكلفين بالعمل».

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...