“الخدمة المدنية”.. ذبح عمال مصر بالقانون في عهد السيسي

ضمن معادلة القهر التي يرسخها الانقلاب العسكري، وسط تطبيل من بعض البسطاء الذين يُعدون أول ضحايا العسكر، تسرّع مؤسسة التشريع التي تدار من المخابرات العامة والحربية والأمن الوطني، من وتيرة التشريعات القمعية لهضم حقوق العمال والموظفين، الذين يتلاعب بهم السيسي بكلامه المعسول، ثم يذبحهم بسيف القوانين.

يأتي في مقدمة تلك القوانين، قانون الخدمة المدنية المعمول به بعد إقراره ببرلمان العسكر، والهادف بالإساس إلى تصفية الموظفين الحكوميين من 7 ملايين موظف إلى نحو مليون موظف فقط، بحسب كلامه.

القانون الذي يمثل سلاحًا سحريًا بيد العسكر لتصفية الموظفين الحكوميين، والذي يشمل بنودًا  كارثية للموظفين بالدولة، وافق عليه برلمان العسكر مقابل زيادة رواتب أعضائه بمقدار 220 مليون جنيه فى الموازنة الجديدة، منها 34 مليون جنيه تحت بند مصروفات مختلفة دون تحديد وجهتها، وهو ما يعتبر رشوة لتمرير القانون المعروف بقانون “ذبح الموظفين”.

كان قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي قد أصدر هذا القانون الكارثي رقم 18 لسنة 2015،  مستهدفا تقليص عدد الموظفين بالجهاز الإداري للدولة، وإحالة الملايين للمعاش المبكر.

ومن تلك الكوارث: تقليل الزيادات السنوية فى الرواتب التي ينتظرها الموظف من عام إلى عام، وذلك بعد أن تم إلغاء الأجور المتغيرة (حوافز.. جهود.. مكافآت.. إضافي.. نسب) وتحويلها إلى فئات مقطوعة.

بجانب الانقضاض على رصيد الإجازات الذى كان يحصل عليه الموظف عند خروجه على المعاش، كما فى المادة 47 من القانون، وأيضا إلغاء التسويات للعاملين الحاصلين على مؤهلات قبل أو أثناء الخدمة، ليقضى على أحلام كثير من العاملين الذين يحلمون بتسوية أوضاعهم الوظيفية، ففى المادة 23 من القانون.. “الموظف الحاصل على مؤهل أعلى يجوز له التقدم للجهة التى يعمل بها فى الوظائف الخالية، والتى تتناسب مع مؤهله الجديد”، أى “هيقدم زيه زى أى حد.. ولو لم يتم اختياره هييجى حد من بره بنفس مؤهله ويكون أعلى منه رغم أنه هو الأكثر خبرة”.

حلم التثبيت

أما بالنسبة للمتعاقدين وحلم التثبيت، فإن القانون نص فى المادة 70 على أنه يتم تثبيت العمالة المتعاقدة على بند أجور موسمين قبل 1/5/2012 فقط. ولم يتطرق للعاملين على بند أجور موسمين بند مستقل وهم كثيرون، كذلك ما مصير من تعاقد بعد هذا التاريخ؟ هل سيظل طوال عمره متعاقدا أم سوف يتم الاستغناء عنه؟.

ويتوسع القانون فى صلاحيات فصل الموظف وإحالته للمعاش المبكر، وعدم إلزام المؤسسات والوزارات بتعيين بدائل لهم.

كما تجاهل “الخدمة المدنية” عمل تعديلات فى قوانين كثيرة مرتبطة بقانون العاملين، مثل القانون 79 لسنة 75، وصندوق الرعاية الاجتماعية، وقوانين بالصحة والجامعة وغيره.

ومن ضمن الكوارث العمالية الممهدة لذبح ملايين الموظفين، لم ينص القانون على كيفية التعامل مع الجزاءات التى يتم توقيعها على الموظف، فالقانون السابق كان ينص صراحة على محوها بعد فترة معينة واسترداد ما تم خصمه، أما القانون الحالى فلم يتطرق لذلك.

كما حدد القانون فى مادته 19 مدة شغل وظائف الإدارة العليا والتنفيذية (أولى أقدمية أكثر من سنة)، بألا تزيد على 6 سنوات، إلا أنه عاد فى المادة 21 وفتح باب الاستثناءات، بألا تسرى هذه الأحكام على الوظائف والجهات ذات الطبيعة الخاصة التى يصدر بها قرار من رئيس الجمهورية.

بجانب إتاحة رفع الضرائب؛ لأنه فى الماضي كانت الضرائب على الأساسي مجردة من العلاوات الخاصة؛ لأنها كانت معفاة، أما الآن فإن الضرائب على الأجر كاملا، وبالتالى الضريبة ستزيد.

إشكاليات كثيرة

كان المحامي والناشط الحقوقي خالد علي، قد انتقد قانون الخدمة المدنية، مشيرًا إلى أن به إشكاليات كثيرة، أبرزها فلسفته الخاصة، التي تمهد الطريق لتمكين الإدارة من التوسع في قواعد فصل أعداد كبيرة من العمال تحت مسمى “التقييمات” .

وقال: إن القانون يعطي الأحقية للإدارة في إقرار من له الحق فى العلاوات والترقيات، وأصبح المعيار شخصيًّا دون رقابة عليه، وهذا عكس القانون السابق التي كانت العلاوة والترقيات فيه على حسب مدة الخدمة وسنواتها، ومن حق العامل رفع قضية في حال تخطي أحد الزملاء له في الترقية، ما دفع المحكمة إلى ترقيته بدلًا من الزميل، والأمر نفسه في العلاوات.

كما اعترض الناشط الحقوقي، على فتح باب المعاش المبكر في سن 55، موضحًا أن المعاش المبكر سيؤدي إلى خلل في صناديق المعاش؛ لأنه تم تحويل موظفين يدفعون إيرادات للصندوق إلى موظفين يحصلون على معاشات، متسائلًا: “من المسئول عن دفع الاشتراكات فيهم؟”.

كما تجاهلت «اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية» تقنين أوضاع نحو 250 ألف عامل مؤقت، بعد أن كانوا يخضعون لقانون 47 الذى تم إلغاؤه.

وبحسب مراقبين، “هناك نحو 250 ألف عامل من المتعاقدين على الصناديق والحسابات الخاصة منذ عام 2000، وتم التعاقد معهم بعقود عمل مؤقتة تجدد سنويا، وكانوا يخضعون لقانون 47 لسنة 1978 ولائحته التنفيذية، إلا أنه فى عام 2012 تم تنفيذ القانون رقم 19 لسنة 2012 بتثبيت جميع العاملين المؤقتين بالدولة على درجات دائمة بالموازنة العامة للدولة، باستثناء العاملين المؤقتين والمتعاقدين بمختلف الهيئات والمحليات الذين يتقاضون رواتبهم من الحسابات والصناديق الخاصة، وهو الأمر الذى أحدث تمييزا بين العاملين بالدولة بشكل يخالف الدستور”..

بل إنه عند صدور اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016، لم يُذكر ضم العاملين على الصناديق الخاصة إلى الموازنة العامة للدولة.

قانون العمل

أما قانون العمل الذي يختص بالعاملين في القطاع الخاص، فانحاز إلى مصالح أصحاب الأعمال، إذ جرّم حق الإضراب للعمال المكفول دستوريا، وقنّن عمالة الأطفال دون السن القانونية.

ونصّ مشروع القانون على تشغيل الأطفال دون سن الثامنة عشرة لمدة 6 ساعات يوميا، تتخلّلها فترة أو أكثر لتناول الطعام والراحة، بحيث لا تقل في مجموعها عن ساعة واحدة، وكذلك نصّ على عدم تشغيل الطفل ساعات عمل إضافية أو في أيام الراحة الأسبوعية والعطلات الرسمية، وهو ما يتعارض مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الموقّعة عليها مصر في مجال حقوق الإنسان، وتحظر عمالة الأطفال قبل بلوغهم السن القانونية.

فيما ترفض الحكومة إخضاع العاملات في الخدمة المنزلية إلى أحكام القانون، وهو ما يعرّضهن للضرر البالغ وضياع حقوقهن، بحجة أنّ عمال المنازل لهم ظروف خاصة، ولا يجوز تفتيش المنازل إلا بإذن من النيابة العامة. في حين يسمح التشريع الجديد بعمل المرأة المصرية كخادمة في الخارج، من دون التقيّد بشروط محددة، أو إعطاء ضمانات لها.

26 مليون مصري

القانون الذي يخاطب نحو 26 مليون مصري يعملون في القطاع الخاص، يستهدف إعادة تنظيم العلاقة على ضوء السلبيات التي شابت تطبيق قانون العمل الصادر عام 2003. الكيانات العمالية أرجعت رفضها للقانون كونه يعمل على قوننة “وكالات التشغيل الخاصة” التي تورد العمالة إلى الشركات والمصانع، وتتسبب في إهدار حقوق العامل المادية في العلاوات الخاصة، ونصيبه من الأرباح، وغيرها من المستحقات المالية، منبهةّ إلى أنّ هذه الشركات “تعدّ بابًا خلفيًّا للفصل التعسفي للعاملين، ومن أهم أسباب عزوفهم عن الالتحاق بالقطاع الخاص”.

واشترط القانون تقديم المفوّض عن العمال مستندا رسميا عند التحكيم، وهو ما يمثّل شرطا تعجيزيا للعمال، لأنّ المستند الرسمي لا بدّ أن يختم بشعار الجمهورية الصادر عن الشهر العقاري، وبالتالي موافقة الطرفين كتابة، على تحويل موضوع النزاع إلى التحكيم، الأمر الذي يجعل صاحب العمل هو الطرف الأقوى، ويمكنه من رفض التوقيع أو الجلوس مع العمال للتفاوض من الأصل.

كما أغفل القانون نسبة العلاوة الخاصة (غلاء المعيشة) المحددة بواقع 10 في المائة للعاملين في القطاع الحكومي في أوّل يوليو من كل عام، بالرغم من أنّها تعمل على سدّ الفجوة “الرهيبة” بين ارتفاع الأسعار والأجور المتدنية للعاملين، وهو ما يعدّ تمييزا بين المواطنين وجرّمه الدستور. كذلك ألغى مادة تنصّ على أنّ “العامل يستحقّ إجازة سنوية بأجر، لا يدخل في حسابها أيام عطلات الأعياد والمناسبات الرسمية وأيام الراحة الأسبوعية، تصل إلى خمسة عشر يوما في السنة الأولى، وواحد وعشرين يوما اعتبارا من السنة الثانية، وثلاثين يوما لمن أمضى عشر سنوات كاملة لدى صاحب عمل أو أكثر، وخمسة وأربعين يوما لمن تجاوز سنه الخمسين عامًا، وكذلك لذوي الإعاقة”.

حق الإضراب

وتتمسّك المنظمات النقابية العمالية بإلغاء مادة تقييد حقّ الإضراب، التي تشترط موافقة ثلثي أعضاء النقابة العامة لإضراب العمال، ومنح رئيس مجلس الوزراء سلطة تحديد المنشآت “الاستراتيجية” التي لا يجوز لعمالها الإضراب عن العمل، في إطار سياسات السلطة الحاكمة لتضييق الخناق على العمال. علما أنّ مجلس الدولة (جهة مراجعة التشريعات) أوصى بضرورة تحديد هذه المنشآت في نصّ القانون.

ومنح القانون أصحاب العمل الحقّ في فصل أي عامل، في حال تقاعسه عن أداء عمله، شريطة إعطائه مستحقاته المادية، وتوقيع غرامة لا تزيد على 10 آلاف جنيه عند الإضراب من دون التفاوض مع صاحب العمل، وذلك بعد اشتراط إخطار الأخير قبل التاريخ المحدّد للإضراب بعشرة أيام على الأقل، من خلال كتاب مُسجّل وموصى عليه بعلم الوصول، على أن يتضمّن الإخطار الأسباب الدافعة للإضراب، وتاريخ بدايته، ونهايته.

كان برلمان السيسي قد وافق على إصدار قانون التنظيمات النقابية العمالية، متضمنًا نصًا يقيّد تشكيل اللجنة العمالية بعدد 150 عضوا، مع إقرار ضوابط مشددة لإنشاء أي نقابة عمالية جديدة، كما حظر التشريع تكوين نقابات عمالية موازية، خلاف الرسمية، وهو ما يستهدف تقييد حرية العمل النقابي، والانحياز إلى مصالح أصحاب العمل، بالتزامن مع إصدار قانون العمل الجديد.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...