المقاومة في غزة تنسف صفقة القرن وتصفع المطبّعين العرب

مواجهة قصيرة المدة ولكنها عميقة المضامين والرسائل، أظهرت أن التفاوض بالنار هو الخيار الأصوب لصدّ العدوان ولجم الاحتلال وإلزامه بتنفيذ التفاهمات ورفع الحصار.

أثبتت المقاومة أنها سجلت خلال ساعات صمودًا بل وتفوقًا على الاحتلال، وحطمت صورة وهيبة جيشه بالعمليات النوعية المصورة التي كشفت عنها خلال الساعات الماضية؛ ما عكس قدرة المقاومة على ضرب أهدافها بدقة وجهوزيتها للدفاع عن شعبها، وأنها لا تشعر بضغط أمام الجرائم والقتل والقصف يدفعها للهرولة إلى اتفاقية تهدئة غير مواتية لا تلبي متطلبات الشعب وترفع الحصار عنه.

أكثر من 700 صاروخ ومقذوفات أخرى، اعترض نظام القبة الحديدية، منها حوالي 300 فقط، أطلقت على مدن وقرى بجنوب إسرائيل في 3 أيام، اضطرت الاحتلال لقبول شروط المقاومة في غزة لوقف القتال بعدما أعلنت أنها ترفض معادلة تهدئة مقابل تهدئة ولا بد للاحتلال أن يلتزم بشروط التفاهمات وهي خطوات لرفع الحصار عن غزة.

إسرائيل رضخت للشروط

ولم توافق المقاومة الفلسطينية في غزة على التهدئة بعد الموافقة الإسرائيلية على تنفيذ شروطها، وهو تطور نوعي غير عادي أن يستجدي الاحتلال التهدئة والمقاومة ترفض، وتفرض شروطها.

وقد كشف موقع “والا” العبري، مساء الإثنين، النقاب عن مطالب الفصائل الفلسطينية، من إسرائيل، عبر مصر، للموافقة على وقف إطلاق النار، خلال التصعيد الأخير.

وبحسب الموقع الصهيوني، هددت الفصائل بغزة، بالاستمرار بالقتال، حتى موعد عقد مهرجان المسابقة الأوروبية “اليورو فيجين” في إسرائيل، منتصف الشهر الجاري، وهي ورقة ضغط هامة.

حيث اضطر نتنياهو لوقف القتال لأن دولة الاحتلال تستعد لاستقبال احتفالات مسابقة الغناء الأوروبية (اليوروفيجن) يوم 14 مايو الجاري، والاحتفال باغتصاب فلسطين (عيد الاستقلال) يوم 15 مايو، وهو لا يريد أن تهرب السياحة من دولة الاحتلال، أو يحتفل الصهاينة بعيدهم في الملاجئ.

وذكر الموقع العبري أن الفصائل الفلسطينية أبلغت مصر أنه من أجل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار على إسرائيل الالتزام بتطبيق التفاهمات الأخيرة، التي تم التوصل إليها برعاية مصرية، وهي:

1. وقف عمليات القنص واستهداف المدنيين والمسيرات السلمية على الحدود

2. فتح المعابر وتوسيع مساحة الصيد (15 كيلو)

3. إدخال الأموال القطرية وتمديد المنحة القطرية لـ8 أشهر جديدة (30 مليون دولار شهريًّا: 10 ملايين لرواتب الموظفين- 10 ملايين للوقود – 10 ملايين للأسر الفقيرة).

4. زيادة عدد شاحنات البضائع عبر معبر كرم أبو سالم 1200 شاحنة بدلاً من 200

5. زيادة كمية الوقود والحل الجذري لأزمة الكهرباء

6. البدء بتنفيذ مشروعي المناطق الصناعية في معبر إيرز وكارني لتشغيل 50 ألف عامل تحت إشراف الأمم المتحدة.

فقد جاءت الجولة الحالية ونتنياهو في موقف صعب، فهو من ناحية يريد استعادة الردع في مواجهة المقاومة، محاولا استخدام آلية كيّ الوعي، سيما في ظل الضغوط الداخلية التي تمارس عليه، ما جعله يتجه للاغتيالات وتدمير المنازل على هذا النحو.

لكنه في المقابل كان معنيا بأن يتم انهاء الجولة الحالية بأسرع وقت ممكن من أجل تمكين الصهاينة من الاحتفال بما يسمى بـ”عيد الاستقلال”؛ وأهم من ذلك توفير بيئة أمنية تسمح بتنظيم المهرجان الموسيقي العالمي “اليوروفيجين” في تل أبيب الأسبوع القادم، سيما وأن الوفود المشاركة فيه شرعت بالوصول، ومعها آلاف السياح الأجانب.

لذلك توالت ردود الأفعال الإسرائيلية الغاضبة على وقف إطلاق النار، والذي وصفه محللون ومستوطنون بالمسيء “لدولة إسرائيل”.

فقد انتقد زعيم حزب أزرق أبيض “بيني جانتس” المعارض نتنياهو وقال: “إن ما يقرب من 700 صاروخ أطلقت من قطاع غزة، خلفت دمارا كبيرا وعشرات الجرحى و4 قتلى”، وأشار جانتس إلى أن ما حصل يأتي نتيجة لفقدان الردع الإسرائيلي، واعتبر ما فعله نتنياهو “استسلام آخر لابتزاز حماس والمنظمات الفلسطينية”.

ونفذ الجناح المسلح لحماس عملية نوعية من خلال إطلاق صاروخ موجه تجاه جيب إسرائيلي يتبع لمسؤول كبير في الاستخبارات الإسرائيلية، وعملية نوعية أخرى نفذها القسام بمشاركة سرايا القدس الجناح المسلح للجهاد الإسلامي حيث أطلقوا صاروخا موجها على ناقلة جند كانت تحمل عدة جنود.

والصاروخ الكورنت قادر على تدمير الميركافا الإسرائيلية شديدة التدريع، ولذلك يمثل استخدامه من قبل حماس كابوسا مزعجا للكيان الصهيوني، فالكورنت؛ وحجر عثرة أمام أي توغل بري للجيش الصهيوني وضربة دعائية مدوية للصناعات الدفاعية الإسرائيلية.

ودفع هذا الجنرال غرشون هكوهين، الذي خدم عشرات السنوات في جيش الاحتلال، واليوم يعمل باحِثًا في مركز (بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية)، للقول لهيئة البثّ الإسرائيليّة العامّة، شبه الرسميّة (كان) أن حركة حماس ليست تنظيمًا إرهابيًا، كما جرت العادة الإسرائيليّة على تسميته، ولكنها جيشِ نظاميٍّ بكلّ ما تحمل هذه الكلمة تمتلك الأجهزة والأدوات المُتقدّمة والمُتطورّة جدًا، تمامًا كأيّ جيشِ نظاميٍّ في الدول الغربيّة، بالإضافة إلى الصواريخ الدقيقة وبعيدة المدى التي تُهدّد مركز الدولة العبريّة وحتى حيفا في الشمال.

ثلاثة أسباب دفعت الاحتلال لوقف العدوان

وقد ذكرت صحيفة “ذي ماركر” الاقتصادية العبرية أن ثلاثة اعتبارات مركزية دفعت “إسرائيل” نحو التوصل لاتفاق التهدئة مع فصائل المقاومة الفلسطينية، ووقف العدوان على غزة.

وذكرت أن “الدوافع تتلخص بالتبعات الاقتصادية والتأثيرات السلبية على ميزانية الاحتلال، وحلول الذكرى السنوية لاحتلالها فلسطين، يوم الخميس المقبل، ومهرجان مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) الأسبوع المقبل”، وفق زعمها.

وأشارت الصحيفة إلى أنه على الرغم من أن الموقف الرسمي لحكومة الاحتلال يقضي بأنه “عندما تطلق المدافع النار، لا نكترث بالمال”، إلا أن “المسئولين في وزارة المالية، وزارة الأمن ودائرة المستشار المالي لرئيس أركان الجيش يعرفون جيدا أن أي جولة أمنية تتحول في نهاية الأمر إلى قضية اقتصادية”.

وقالت الصحيفة أن الحروب العدوانية التي شنتها “إسرائيل” على قطاع غزة في السنوات الماضية، كلفت كل واحدة الخزينة الإسرائيلية مليارات الشواقل.

وفيما يتعلق بالعدوان، الذي أعلِن عن وقفه فجر اليوم، “فإنه كان من شأن استمراره أن يلحق ضررا كبيرا بالسياحة لـ”إسرائيل” وصورتها في العالم في حال إلغاء مهرجان اليوروفيجن”، وفق الصحيفة.

وأضافت أن أي حرب تخوضها “إسرائيل” تكون التكلفة الاقتصادية من ثلاثة أنواع: مس مباشر بالاقتصاد جراء فقدان نشاط اقتصادي وأيام عمل، إلحاق أضرار بأملاك، وإنفاق عسكري يشمل ذخيرة ومخزون أسلحة وتعطيل قوات الاحتياط عن العمل.

ووفقا لتقديرات أجراها المحاضر في جامعة تل أبيب، البروفيسور عيران ياشيف، ونشرها “معهد أبحاث الأمن القومي” في الجامعة، فإن تكلفة اليوم الواحد خلال العدوان على غزة عام 2014، تراوح ما بين 420 – 840 مليون شيكل”

وقال جيش الاحتلال إن تكلفة اليوم الواحد خلال عدوان 2014 قُسمت إلى قسمين: “100 مليون شيكل قبل الاجتياح البري و200 مليون شيكل بعد الاجتياح البري”.

نسف صفقة القرن

ويقول المحلل الفلسطيني عبدالباري عطوان إن أربعة أسباب تُؤكّد أنّ رجال المُقاومة في غزّة نسَفوا “صفقة القرن” وردّوا بقوّةٍ على المُطبّعين العرب، وأنه بعد انتصار غزة البطولي لا حرب طويلة بعد اليوم، فالردع الإسرائيلي انهار ومعه قببهم الحديدية، ومئات الآلاف من الإسرائيليين يهربون الى الشمال، وغدا أين سيهربون؟ معتبرا أن ما جرى في غزة درس “غزاوي” لمحور المقاومة في العالم العربي يتلخص في: “خذوا زمام المبادرة وردوا ولا تخافوا وافرضوا شروطكم مثلنا”.

وقال: يُمثّل قِطاع غزّة أقل من 2 بالمئة من مساحة فلسطين التاريخيّة، ولكنّه، وأهله، يقومون وحدهم، بكسر شوكة الغطرستين الأمريكيّة والإسرائيليّة، بدفاعهم برجولةٍ وشجاعةٍ عن 400 مليون عربي، ومِليار ونِصف مِليار مسلم ومقدساتهم وأرض رباطهم، ولا ينتظرون شكرًا أو إطراءً من أحد.

وأن الجديد في الجولة الاخيرة أن فصائل المُقاومة تتباهى بأنّها هي التي بادرت بالرّد بقوّةٍ على الاستفزازات الإسرائيليّة، وقتلت القنّاصة الإسرائيليين الذين يقتلون مُحتجّين سلميين على حُدود القِطاع، وعدم الالتزام باتّفاقات التّهدئة، وتشديد الحِصار التجويعي على مليونيّ عربيّ ومُسلم.

وعدد “عطوان” الإنجازات الكبيرة التي تحقّقت في الحرب الأخيرة، مثل:

أوّلًا: قوّة الرّدع الإسرائيليّة تتآكل، إن لم تكُن قد انهارت فعلًا، وباتت المُقاومة هي التي تفرِض أجنداتها، وتُحدّد قواعد الاشتباك.

ثانيًا: مئات الآلاف من الإسرائيليين هربوا من مكان إقامتهم في الجنوب الفلسطيني إلى الشمال إيثارًا للسّلامة، وحالة من الرُعب تنتابهم، ومن المُتوقّع أن يتضاعف هذا الرّقم إذا ما وصلت الصّواريخ إلى تل أبيب وما بعدها.

ثالثًا: إسرائيل تقف على أبواب احتفالين، الأوّل، مسابقة “يوروفيجين” التي ستُقام في تل أبيب ويتبعها مليارات المشاهدين، والثاني ذكرى قيام الكيان الإسرائيلي، واستمرار الحرب لمُدّة أسبوعين يعني إلغائهما، واهتزاز صورة دولة الاحتلال عالميًّا كدولة غير آمنة وفاشية ترتكب جرائم حرب وتُصعّد التوتّر وحالة عدم الاستقرار في المِنطقة والعالم.

رابعًا: الدول الخليجيّة والعربيّة التي طبّعت، وتُطبّع، مع دولة الاحتلال ستُواجه حرجًا كبيرًا أمام مُواطنيها، وسيزداد هذا الحرج إذا انفضح الضّعف الإسرائيلي في مُواجهة صُمود فصائل المُقاومة واستبسالها.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...