“نصف يوم” حكايات مؤلمة لمعتقلين سابقين بين المراقبة والحياة الطبيعية

فقط «نصف حياة»..، تلك هى حقيقة من يتم الإفراج عنه من المعتقلين السياسيين فى عهد الانقلاب العسكرى بمصر،فلم يكتفى العسكر بما اقترفه من اعتقال تعسفى لألاف المصريين ما بين عامين إلى 5 سنوات، بل زاد فى الأمر بعد لإفراج عنهم بالمطالبة بـ”المراقبة الشرطية” والتى تكون لمدة نصف يوم يومياً بداخل القسم التابع له.

ونشر موقع “بي بي سي” تقريرا، تحت عنوان “عدالة مصر: حر في النهار، سجين في الليل”، يسلط فيه الضوء على معاناة المعارضين في مصر، واستخدام إجراءات تعسقية بشكل موسع ضد الناشطين السياسيين الذين ينتقدون عبد الفتاح السيسي.

تمثل الحياة تحديًا إذا كان اليوم مضغوطًا في نصف يوم، لكنها تصبح مستحيلة في بعض المناسبات. أحد هذه المناسبات الخاصة كانت بسبب امتحان يجب عليه أداؤه في اﻹسكندرية في شهر يناير الماضي.

من بين تلك النماذج الصحفى ” سامحي مصطفى” الذى يقوم برحلة متعبة ذهابا وإيابا لمسافة 200 كيلومتر يوميا، بين منزل عائلته بالقرب من القاهرة وبني سويف، وهي محافظة تقع في الجنوب.

لكن العقوبة ليست سياسية فقط. في جميع أقسام الشرطة، هناك اﻵلاف من المساجين المؤقتين يقضون نصف يومهم في حوزة الشرطة في ظروف سيئة، ودون مبررات قانونية، بحسب محامين وباحثين. بالنسبة إلى علاء عبد الفتاح، فإن حالة السجن أفضل. السجن هدوء يستسلم فيه المسجون إلى عقوبته وينتظر انتهائها. لكن المراقبة اضطراب يومي لا يسمح بأي هدوء.

“مصطفى” يتوجب عليه المضي، ووضعه إجباري على الأقل في السنوات الخمس المقبلة، بالإضافة إلى أنه يجب على سامحي قضاء 12 ساعة في مركز الشرطة، ويعرف في مصر بالعقوبة التكميلية، وسجن لخمسة أعوام انتهت العام الماضي.

رامى (حركى)

ويذكر الموقع أن من هؤلاء رامي، الذي بدأ في ساعات الصباح أشعثا في ثياب غير مرتبة، وقال: “لا أستطيع العمل ولا بناء عائلة وأنا مفلس”، مشيرا إلى أنه يتوجب على رامي -وهذا ليس اسمه الحقيقي- البقاء في مركز الشرطة من الساعة السادسة مساء إلى السادسة صباحا من كل يوم ولمدة ثلاث سنين.

ويفيد التقرير بأنه مثل سامحي خرج من السجن بعد قضائه فترة ثلاثة أعوام؛ لمشاركته في تظاهرة غير قانونية عام 2014، لافتا إلى أن رامي، وهو في منتصف العشرينيات من عمره، طرد من الكلية مباشرة بعد سجنه، وتقدم له عائلته الدعم المالي في فترة الامتحان.

وينقل عن رامي قوله: “فترة الاختبار الذي أجرته الشرطة دمر حياتي”، وأضاف رامي أن الشرطة لم تمنحه زنزانة لكنه يقضي 12 ساعة في منطقة خارج مركز الشرطة، حيث يحاول النوم تحت ضوء النجوم، وعليه إحضار عشائه معه كل يوم، ولا يسمح له بإحضار هاتفه أو أي جهاز إلكتروني باستثناء الكتب.

ويقول الموقع أنه يسمح في بعض مراكز الشرطة لمن هم تحت الرقابة بإحضار بطانيات للنوم في زنازين مخصصة، ويتركون في بعض الحالات في منطقة مسورة خلف المركز خاضعة لمراقبة بكاميرات.

ويشير التقرير إلى أنه تم استخدام هذه الإجراءات بشكل موسع ضد الناشطين السياسيين الذين ينتقدون عبد الفتاح السيسي، أو أدوا دورا في انتفاضة عام 2011، كما تقول منظمات حقوق الإنسان، هو جعل الحياة صعبة لمن ينتقدون السيسي، وسحق من تسول له نفسه معارضته.

علاء عبد الفتاح

وقضت أسرة الناشط ي “علاء عبدالفتاح”، المفرج عنه بتدابير احترازية، يومها الأول من شهر رمضان، أمام قسم شرطة الدقي بمحافظة الجيزة، قرب العاصمة، في محاولة لإدخال إفطار له.

وقالت شقيقته “منى سيف”، عبر “فيسبوك”، إنّ معظم أقسام الشرطة أصدرت تنبيهات بتعديل المراقبة الشرطية لتكون من الساعة الثامنة مساءً، لتبدأ التدابير الاحترازية بعد الإفطار، لكن الأمر مختلف في قسم شرطة الدقي حيث يقضي شقيقها فترة مراقبته.

أما والدته “ليلى سويف”، فكتبت: “إحنا على باب قسم الدقي كنا جايين عاوزين نفطر مع علاء، منعونا من الدخول وإحنا قاعدين على الباب”.
وقبل أيام، تقدم “عبدالفتاح”، بشكوى للمجلس القومي لحقوق الإنسان فيما يتعلق بالتعنت في تنفيذ المراقبة الأمنية الموقعة عليه.

ويعاني المصور الصحفي “محمود أبوزيد”، الشهير بـ”شوكان”، من الأمر ذاته، حيث يقضي عقوبة تكميلية بتدابير احترازية يومياً من السادسة مساءً حتى السادسة صباحاً، وذلك لخمس سنوات.

واعتبر المحامي الحقوقي ، “مختار منير”، أن تنفيذ قرار التدابير الاحترازية بهذا الشكل يحمل تعنتا واضحا.

وأضاف عبر “فيسبوك”: “أوقات الكلام مش بيقدر يوصف وضاعة الأفعال اللي بتحصل، في جلسة نظر تجديد التدابير لأحد الموكلين عندي، طلبت من القاضي إذا رأى أن هناك حاجة لمدّ التدابير الاحترازية أن يقوم بتعديل مواعيد ساعات التدابير، كي يتمكن الموكّل من حضور الإفطار وسط أهله”.

وتابع: “القاضي لم يعدل ميعاد التدابير للأسف، وعقلي وقف كثيراً عند هذا الأمر… إذا كان لديك السلطة في ذلك فلمَ التعنّت؟”.
وسبق أن تعرض الناشط السياسي بحركة “6 أبريل” “أحمد ماهر” للإهانة من ضباط شرطة القسم الذي يقضي فيه المراقبة وإجباره على مسح سلالم القسم.

الموقف القانوني

في أعقاب ثورة يناير 2011، وخلال الفترة الانتقالية التي تولى فيها مقاليد الحكم، أصدر المجلس العسكري عددًا من القوانين من بينها قانون «البلطجة»، الذي نص على المراقبة الحتمية لكل من يُدان بمخالفة أحكامه، وهو القانون الذي اعتبرت دراسة نشرتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن صياغته غير واضحة وغامضة ومطاطة.

بحسب دراسة المبادرة، تنقسم المراقبة إلى خمسة أنواع:

* المراقبة الخاصة: وهي صدور حكم قضائي بالمراقبة كعقوبة أصلية، والقانون المصري لا يُطبق المراقبة كعقوبة أصلية إلا في جريمة التشرد.

* المراقبة التبعية: تطبق في حالة صدور حكم قضائي بالإدانة في جرائم أو بعقوبات معينة حددها المشرع دون حاجة إلى ذكر عقوبة الوضع تحت المراقبة صراحة في منطوق الحكم، مثل الحكم بعقوبة السجن المؤبد لجريمة القتل العمد.

* المراقبة البديلة: هي في حالة صدور قرار بالإفراج المبكر عن محكوم عليه (تحت شرط)، وهي تعني الإفراج المبكر عن محكوم عليه مع قضاء باقي عقوبته في فترة مراقبة.

التقرير ذكر أيضاً أن القضاة يصدرون عادة قرارات إفراج مشروطة، التي تشتمل على فترة الحبس الليلي في مركز الشرطة، بالإضافة إلى الحكم الأصلي بالسجن، وفي سبتمبر من العام الماضي صدر حكم على 215 شخصا، بينهم المصور الصحافي شوكان، الذي حكم عليه بالسجن لمدة خمسة أعوام، بالإضافة إلى خمس سنوات تحت المراقبة الشرطية، مشيرا إلى أنه أفرج عن شوكان، لكن عليه مثل سامحي الحضور لمركز الشرطة، وعلى مدى الخمسة أعوام المقبلة.

تدمير للمفرج عنه

يشير حسن اﻷزهري،الباحث القانوني في مؤسسة حرية الفكر والتعبير، إلى أن فلسفة المراقبة الشرطية تعود إلى شعور لدى المشرع بأن عقوبة الحبس قد لا تكون كافية لردع المجرمين، وبالتالي فإن المراقبة الشرطية تمثل طريقة لحماية المجتمع منهم.

يتضح هذا مثلًا في بعض القواعد التي حددها القانون الذي صدر منذ ما يقرب من 75 عامًا، كما يلاحظ اﻷزهري. على سبيل المثال، يمنح القانون وزير الداخلية الحق في نقل كل مراقب من الجهة التي يقيم فيها إلى جهة أخرى كي يمضي بها مدة المراقبة الباقية إذا تبين أن بقائه في الجهة اﻷولى خطر على اﻷمن. وكذلك لا يجوز اختيار عزبة كمحل ﻹقامة المراقب، وذلك ﻷن العزبة ليس مكانًا يسهل الوصول إليه وبالتالي لا يخضع المراقب فيها لسيطرة الشرطة المباشرة.

لكن التطبيق العملي للمراقبة ينطوي على انتهاكات مختلفة، أهمها قضاء الليل في مراكز وأقسام الشرطة. تعتبر دراسة المبادرة أنه لا يحق لوزارة الداخلية أن تلزم الشخص في المبيت في قسم الشرطة، وعليها -إن أصرت على ذلك- أن توضح الأسباب التي تجعل من المراقبة مستحيلة أو صعبة في هذا السكن، فإن لم تفعل فيكون تصرفها مخالفًا للقانون.

واعتبرت ورقة قانونية نشرتها المجموعة المتحدة للقانون، أنه «لا يجوز إيداع أو احتجاز المراقَب داخل أقسام الشرطة في الفترة المخصصة للمراقبة التي نص عليها القانون، إن لم يكن له محل سكن يأوى إليه في دائرة القسم».

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...