على خطى مصر.. مستقبل غامض للثورة السودانية وسط 3 سيناريوهات محتملة

بعد مذبحة فض الاعتصام يوم الإثنين الماضي الموافق 3 يونيو 2019م والذي أفضى إلى مقتل أكثر من 100 سوداني على يد قوات الدعم السريع التي يقودها الجنرال الأرعن محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي؛ تدخل السودان نفقا مظلما في ظل إصرار المجلس العسكري بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان على السيطرة الكاملة على السلطة والسماح بمشاركة مدنية صورية تسمح للعسكر بممارسة أعمال السيادة.

وجوهر الصراع حاليا في السودان يدور حول الجهة التي تقوم بأعمال السيادة وإليها يرجع الفصل في رسم السياسات والتوجهات العليا للدولة، فبينما يصر المدنيون وعلى رأسهم قوى الحرية والتغيير على ضرورة أن تكون الغلبة للمدنيين في مجلس رئاسي سيادي يصمم العسكر في الجانب المقابل على أن تكون الغلبة في تشكيل المجلس للعسكريين وكبار القادة والجنرالات.

عسكر السودان يصرون على تكرار المعادلة القائمة في معظم البلاد العربية دون استثناء وهي (أعمال السيادة للعسكر وأعمال الإدارة للمدنيين) فدور المدنيين مهما علت كفاءتهم ورجحت خبرتهم ليسوا سوى سكرتارية أمام مكاتب كبار القادة والجنرالات الذين لهم – وحدهم – الحق في ممارسة أعمال الحكم والسيادة، وعلى المدنيين التسليم والانصياع، وإلا فإن السلاح موجه إلى صدورهم في ظل تحولات كبرى في عقائد الجيوش العربية جعلت من الشعوب عدوًّا في ظل نهم العسكر على الاستئثار بالحكم والسلطة.

وأمام الوساطة الإثيوبية التي يقوم بها حاليا أبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي، والذي يقترح تقاسما للسلطة بين العسكر والمدنيين، وتعليق الاتحاد الإفريقي عضوية السودان لحين تسليم السلطة لحكومة مدنية فإن العودة إلى المفاوضات من جديد تبدو شديدة الصعوبة بعد أن قتل العسكر مئات المعتصمين في مذبحة يندى لها جبين البشرية.

3 سينايوهات محتملة

وإزاء هذا المشهد فإن السودان يتجه نحو 3 سيناريوهات محتملة:

أولا: عسكرة الثورة

فبحسب خبير السياسات التنموية الوليد آدم مادِبو فإن الثورة السودانية انتقلت – بعد مجزرة فض الاعتصام بالخرطوم وما تلاها من أحداث – إلى الجزء الثاني من مسارها وهو مواجهة المجلس العسكري نفسه، متوقعا أن تكون هناك مقاومة مسلحة من المجلس؛ لأن السلاح الآن محصور في كتائب الظل الأمنية والجيش الرسمي وقوات الدعم السريع التي هي امتداد لمليشيا الجنجويد سابقا في دارفور.

وبحسب تصريحاته على قناة “الجزيرة” بتاريخ 6 يونيو 2019م، فإن انجرار الثوار للمواجهة مع المجلس العسكري “حتمي”، ولكن السؤال هو: هل ستنحصر هذه المواجهة في العاصمة الخرطوم أم ستمتد إلى المناطق الأخرى فتكون المعركة مفتوحة باتساع السودان؟ مشيرًا إلى أن ذلك هو ما جعل الاتحاد الإفريقي يتدخل بقرار تعليق عضوية السودان فيه حتى يسلم العسكر السلطة للمدنيين، لخشيته من توسع المعركة الذي قد يفضي إلى تفكك الجيش السوداني.

ومن جهته؛ وصف أستاذ القانون والعلاقات الدولية في جامعة أديس أبابا الدكتور محمد حبيب قرار الاتحاد الإفريقي بشأن السودان بأنه “مبرر تماما”؛ لأن الاتحاد لديه المبررات القانونية لسحب الشرعية عمن يمارسون العنف ضد المدنيين، كما أن الأحداث الدموية الأخيرة في الخرطوم أظهرت أن العسكر لم يكونوا صادقين مع المحتجين السلميين، وهو ما قد يُفقد هؤلاء الثقة في المؤسسة العسكرية فيلجأ بعضهم إلى خيارات أخرى غير سلمية دفاعا عن النفس.

ثانيا: حوار مشروط

السيناريو الثاني يرجحه المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين المهندس المنتصر أحمد، مؤكدا التمسك بالسلمية مهما حصل، معللا ذلك بأن أمن السودان جزء من أمن المنطقة كلها وحتى أمن الاتحاد الأوروبي الذي دفعته سابقا الخشية من تدفق اللاجئين للاتفاق مع حميدتي لمنعهم من عبور أراضي السودان مقابل منحه ملايين الدولارات، وهو ما عزز قدرات قوات الدعم السريع التي تتبع لإمرته.

وبحسب المتحدث باسم تجمع المهنيين فإن هناك ثلاثة محاور يعمل عليها المجلس العسكري الآن مستغلا قطع الإنترنت؛ وهي: بث الشائعات بإسقاط الثوار لأعمدة الاتصالات والكهرباء، وأمر قوات الجنجويد بترك سلاحهم قرب مناطق الاعتصامات لتشويه صورة المحتجين، وممارسة انتهاكات كثيرة ومهينة لبيوت المواطنين ليستفزوهم بذلك ويدفعوهم للعنف، وقال إن أي مقابلة لعنف العسكر بعنف مماثل ستجرّ البلاد لويلات يريدها العسكر لشرعنة ممارساتهم ضد المواطنين.

وأكد أنه سيتم رفض أي محاولة للتفاوض مع المجلس العسكري ولجنته الأمنية ما لم تتم الاستجابة لمطالب الثوار وهي:

أولا: محاسبة من أصدر الأوامر للفض الاعتصام بالقوة وإراقة دماء المدنيين.

ثانيا: حلّ المجلس الذي هو امتداد لنظام البشير وتحويله إلى لجنة أمنية تتبع الحكومة المدنية التي ستشكّل.

ثالثا: سحب الجنجويد ومصادرة سلاحها ومحاسبة المجرمين منهم واستيعاب البقية البريئة في مؤسسة الجيش.

لكن هذه الشروط على الأرجح لن يقبل بها العسكر ما يعني استمرار الوضع على ما هو عليه، لذلك يرى مادِبو أن خيار التفاوض مع العسكر الآن “أصبح مستحيلا” لأن حشود الثوار بدأت تأتي من كل نواحي السودان لمقاومة العسكر، واللجنة الأمنية التي كانت مهمتها حماية البشير تبحث الآن عن عدو تبرر به وحشيتها، لافتا إلى أن النظام الآن هو نسخة من نظام البشير و”الإنقاذ 2″، وبدون وجود ظهير عسكري للثورة داخل الجيش يستحيل أن تستطيع الحركة الاحتجاجية إجبار المجلس العسكري على التنحي عن السلطة.

ويتفق معه في الرأي الدكتور محمد حبيب، مؤكدا أن “الحل التفاوضي كان ممكنا تماما قبل فض الاعتصام وسيظل الحوار هو الخيار الوحيد الذي سينقذ البلاد وديمقراطيتها”، لكن يبقى التفاوض بين قوى الحرية والتغيير أو أي مكون مدني آخر مع المجلس العسكري بتشكيلته الحالية والذي تلطخت يداه بدماء المعتصمين الزكية يبدو مستبعدا، إلا إذا تغيرت التشكيلة الحالية للمجلس، وتم استبعاد البرهان وحميدتي وكلاهما قاد الانقلاب على البشير بدعم سعودي إماراتي مصري ويراد من أحدهما استنساخ نموذج السيسي في السودان.

ثالثا: تكريس حكم العسكر

السيناريو الثالث هو تكريس حكم العسكر، ورغم أن أستاذ القانون والعلاقات الدولية في جامعة أديس أبابا الدكتور محمد حبيب، يستبعد أن يذهب المجلس العسكري السوداني لإرساء حكم عسكري في البلاد كما حصل في مصر؛ نظرا لاختلاف ظروف السودان عن مصر، محذرا من أن انتهاج النموذج المصري قد يؤدي إلى مواجهة مسلحة في بعض مناطق البلاد لوجود عناصر مسلحة كثيرة وتعددية إقليمية، إضافة إلى احتمال عودة الحرب في دارفور، إلا أن المعطيات الراهنة ترجح هذا السيناريو في ظل ضعف إمكانات القوى المدنية وعدم قدرتها على حسم الصراع لعدم امتلاكها أدوات الحسم.

والأرجح أن يلجأ العسكر إلى إجراء انتخابات يتم هندستها لتعطي نتائج تدعم تكريس الحكم العسكري حتى لو تولى رئاسة الحكومة شخصية مدنية على الأرجح ستكون موالية للجيش. وأمام الدعم الإقليمي القوي من السعودية والإمارات ومصر فإن السودان يتجه نحو تكرس المعادلة العربية القائمة منذ عقود (الحكم والسيادة للعسكر والإدارة والسكرتارية للمدنيين).

FacebookTwitterارسال ايميل

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...