انهيار سمعة الجيش.. جناية السيسي على القوات المسلحة

بقلم: حازم عبد الرحمن

قبل قيام ثورة 25 يناير كانت علاقة المواطن المصري بالجيش طبيعية, لا تشوبها نظرة التوجس والحذر, التي كان ينظر بها الشعب إلى الشرطة, حيث كانت إهانتها المواطنين وتعذيبهم إلى حد الموت من أسباب الثورة.

واستقبل الثوار دبابات الجيش في ميدان التحرير بحفاوة بالغة, خاصة بعد تنفيذ مؤامرة الأجهزة الأمنية, بانسحاب الشرطة, وفتح السجون، وصار التقاط الصور بجوار الدبابات، ومصافحة رجال الجيش وإهداؤهم الورود واعتلاء المدرعات من علامات تلك المرحلة,وظهر اللواء محسن الفنجري، عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة وهو يؤدي التحية العسكرية لشهداء ثورة 25 يناير في بيان أذاعته شاشات التليفزيون, وتم الترويج على نطاق واسع لمقولة “الجيش حمى الثورة” و “الجيش والشعب إيد واحدة”.

 ولم يمض وقت طويل حتى ظهر الوجه الآخر للجنرالات الذين زعموا أنهم يحمون الثورة؛ فكانت جريمة كشوف العذرية برعاية عبدالفتاح السيسي مدير المخابرات الحربية آنذاك، حيث تعرضت بعض الفتيات، خلال فض اعتصام بالقوة بميدان التحرير، للضرب والاعتداء، وإجراء كشوف عذرية عليهن أثناء احتجازهن في السجن الحربي، واعتدى الجيش على مسيرة للنشطاء والقوى السياسية, تطالب باستكمال أهداف ثورة 25 يناير, وقتل أحد المتظاهرين, كما ارتكب المجلس العسكري مذبحة ماسبيرو في 10 أكتوبر 2011 التي راح ضحيتها أكثر من 24 شخصًا، وجاءت بعدها أحداث محمد محمود في 19 نوفمبر 2011التي قتل فيها 41 شخصًا، وقتلت قوات الجيش 17 معتصما في أحداث مجلس الوزراء التي كانت ضد تكليف الجنزوري برئاسة الحكومة وهو الذي يمثل حكم المخلوع مبارك.

وفي أول فبراير 2012وقعت مذبحة بورسعيد بتدبير المجلس الأعلى للقوات المسلحة, وقتل فيها أكثر من 70 شخصًا من مشجعي الأهلي خلال مباراة أمام النادي المصري البورسعيدي في كارثة رياضية غير مسبوقة في البلاد.

وفي 2 مايو 2012 وقعت اشتباكات بين مسلحين مجهولين(!!) والمعتصمين بالقرب من وزارة الدفاع، للمطالبة بتسليم السلطة، ما أسفر عن مقتل أكثر من 11 شخصًا، مما دفع المتظاهرين إلى الهتاف ضد العسكر، والمطالبة بـ«إعدام المشير»، واندلعت اشتباكات عنيفة بين الشرطة العسكرية والمتظاهرين، وانتهت بفض الاعتصام، وإخلاء ميدان العباسية، وفرض حظر التجول بالمنطقة .

وقد كشفت هذه الجرائم عن حقيقة ما يضمره جنرالات الجيش تجاه ثورة 25 يناير, وحشود المتظاهرين الذين رأى العسكر فيهم خطرا داهما, لو تحققت مطالبهم في الحرية والديمقراطية؛ فساعتها سوف تسقط امتيازاتهم, وحصاناتهم, وسيضعهم الحكم المدني في حجمهم الحقيقي كأي جيش في الدول الديمقراطية يخضع للسلطة المدنية التي اختارها الشعب.

* امتيازات العسكر

يحظى كبار جنرالات العسكر في الدول المتخلفة, ومنها مصر بامتيازات دون الضباط الآخرين, ودون باقي فئات الشعب, تجعل منهم طبقة فوق القانون, ويتحكمون في الأراضي الشاسعة وما تحويه من كنوز وثروات لا يستطيع أحد الاقتراب منها إلا بقرار أو تواطؤ من الجنرالات, وهناك شركات تابعة للجيش دخلت مجال الاستثمار في كل شيء بدءا من لبن الأطفال والكعك والبسكويت إلى رصف الطرق وبناء الكباري ومزارع الأسماك والجمبري والتجارة في اللحوم والأغذية, وإحياء ليالي الأفراح, وتحويل المصانع العسكرية إلى الإنتاج المدني .. إلخ, مما لم يعد يتبقى معه للقطاع المدني إلا القليل من السوق, ويجري كل ذلك بدون دفع ضرائب, أو رقابة, أو مساءلة من أية جهة في الدولة, ما جعل العسكر يسيطرون على أكثر من 60% من الاقتصاد المصري بعد الانقلاب .  

لذلك كانت ثورة 25 يناير خطرا على استمرار هذه الامتيازات التي تصب أرباحها في جيوب الجنرالات الكبار؛ فكان تراجعهم التكتيكي أمام موجة 25 يناير حتى تحين الفرصة, ويتم الإجهاز عليها.

*الثورة المضادة

وبينما كانت الثورة المصرية تخطو بثبات إلى الأمام وتجري الانتخابات الرئاسية الحقيقية الأولى في تاريخ مصر, ويفوز فيها الرئيس محمد مرسي, كان الرعب والفزع يسيطران على عقل العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد, ومن ورائهما العدو الصهيوني؛ ليتوصلوا إلى تدبير انقلاب عسكري على أول رئيس مدني منتخب في مصر , وقد ثبت فيما بعد أن عبد الفتاح السيسي وشركاءه في الانقلاب على الشرعية تقاضوا أموالا جعلت رصيد السيسي وحده يتجاوز الثلاثين مليارا, حسب أحد التسريبات الشهيرة له مع مدير مكتبه عباس كامل, كما تم الكشف عن المكالمات الهاتفية اليومية للسيسي ووزير الدفاع الأمريكي تشاك هاجل, وكذلك حديثه مع السفيرة الأمريكية وجون كيري وزير الخارجية آنذاك, وقد كشف لهما عن نيته في الانقلاب.

أما علاقة السيسي مع العدو الصهيوني فلا يجوز تصنيفها إلا  كجريمة خيانة عظمى, والأدلة على ذلك كثيرة, مثل حديثه المتكرر عن حماية أمن الصهاينة, واستقبال الجالية اليهودية له, ولقاءاته مع كبار الصهاينة في زياراته الولايات المتحدة واستيراده الغاز المسروق من الأراضي الفلسطينية والتنازل للصهاينة عن المياه الإقليمية  الغنية بالثروات الطبيعية من الغاز والبترول.

ومن الطبيعي أن يسأل المواطن المصري عن دور عموم الجيش حيال ذلك بجانب جرائم السيسي الأخرى, التي تنازل فيها عن حقوق مصر في مياه النيل وبيعه جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية والتنازل عن ثروات مصر في البحر المتوسط لمصلحة الصهاينة واليونان وقبرص.

وقد ورط السيسي الجيش في كل الجرائم ضد الشعب المصري, والتي كان من أبرزها مذابح رابعة والنهضة ورمسيس والحرس الجمهوري والإسكندرية والأولتراس وتهجير أهالي رفح في شمال سيناء, وإرهاب أهالي جزيرة الوراق ليتنازلوا عن حقوقهم في أراضيهم.. إلخ.

كل ذلك جعل سمعة الجيش المصري تنهار في عيون الشعب, الذي تأكد له بما لا يدع مجالا للشك أن جنرالات الجيش بقيادة السيسي خدعوه بما أسموه ثورة 30 يونيو, وأنهم تلقوا الرشاوى للانقلاب على الحكم الشرعي, وظهرت الخيانة مسجلة في التسريبات الشهيرة؛ لتؤكد أن العسكر خدعوا الشعب, ولم يوفوا بعهودهم بعدم الاشتغال بالسياسة, وأنهم شهدوا تنازل قائد الانقلاب عن المياه والأراضي المصرية لدول أخرى دون أن يعترضوا رغم القسم الذي أدوه بالحفاظ  على أمنها وسلامتها والدفاع عنها، في البر والبحر والجو, وبذلك يكونون قد حنثوا بالقسم, بعدما تواطئوا مع قائد الانقلاب, وسفكوا دماء آلاف المواطنين, وطمعوا في لقمة عيش القطاع المدني.. كل ذلك أدى إلى سقوط هيبة الجيش وتراجع مكانته السابقة, بل أصبح مجللا بالعار والخيانة, وهو ما يجعل تحرك عموم الضباط  ضروريا لاستعادة مكانته لدى الشعب التي استمرت عقودا من التقدير والاحترام, حتى أنزلها السيسي وشركاؤه في الانقلاب إلى هوة سحيقة من الاتهامات المخجلة بحق الشرف العسكري, ما يجعل قضاء الجيش على السيسي وعصابة الانقلاب تحريرا للجيش من أسر الخضوع لقائد خائن, مع الحرص على عدم التدخل في السياسة, وترك الحكم للشعب, ولن يتأخر الشعب في دعم تحرير جيشه من سلطة خائنة تعمل لمصلحة العدو, وليس هناك حل آخر لتحرير الجيش وتطهيره وإعادة الاعتبار إلى مكانته وتاريخه سوى الخلاص من السيسي وعصابته. 

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...