أهمية العمل الجماعي ومشروعيته.. قراءة في منهج الإخوان

نشر همام سعيد، المراقب العام الأسبق للإخوان بالأردن، ورقة بحثية حول أهمية العمل الجماعي ومشروعيته والفكر التنظيمي في منهج الإخوان.

يتطرق هذا البحث إلى بعض المفاصل والمعاني التأصيلية الدالة على أهمية وأصالة العمل الجماعي في الدعوة إلى الله تعالى، بالتركيز على بيان مفهومه ومشروعيته، وإظهار ضوابطه وبعض تحدياته المهددة لبقائه واستمرار عطائه، وتقديم بعض المقاربات الفكرية حول فكرة التنظيم في منهج الإخوان المسلمين، ومناقشة بعض إشكالاتها المثارة من داخل هذا التنظيم أو من خارجه.

كما يتطرق البحث إلى بعض مواقف العلماء من دعوة جماعة الإخوان المسلمين، وما تميزت به باعتبارها أكبر أنموذج حديث للعمل الجماعي المنظم.

مفهوم العمل الجماعي

المقصود من العمل الجماعي في هذا البحث هو العمل المنظم، الذي يشتمل على أهداف ووسائل وأساليب وبرامج، لا تتحقق إلا من خلال أمة من الناس تتكاتف جهودهم وخبراتهم وكفاءاتهم وقدراتهم.

ولقد نشأ العمل الجماعي لجماعة الإخوان المسلمين وفق أهداف محددة ووسائل وأساليب محددة، غايتها نصرة الإسلام والدعوة إليه، والعمل على استئناف الحياة الإسلامية من جديد.

ولما كانت مقاصد الإسلام تهدف إلى تحقيق العبودية لله وحده، وتحكيم شرعه، والتمكين للمؤمنين في الأرض، ونشر الخير بين الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، صار من أهم لوازم تحقيق ذلك أن يكون في الأمة عمل جماعي تلتقي فيه الكفاءات والجهود والخبرات المختلفة، لتحقيق هذه الأهداف الكبرى.

حكم العمل الجماعي

إن العمل الجماعي لاستئناف الحياة الإسلامية واجب شرعي على المسلمين في شتى بقاع الأرض. وعلى كل مسلم أن يختار بصدق وتحرٍّ من بين الجماعات العاملة للإسلام جماعة يقتنع برسالتها وأهدافها، فينخرط في صفوفها للعمل للإسلام، ونحن لا نقول ولا ندعي أن جماعة الإخوان المسلمين هي وحدها على الساحة، ففي العالم الإسلامي جماعات كثيرة على خير.

وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى وجب مقتضيات العمل الجماعي في السفر حين قال: “‏إِذَا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ” فكيف لا يكون ذلك في الدعوة إلى الله وهي أهم وأعظم؟

 إن جذور تأصيل العمل الجماعي في الإسلام لا تحتاج إلى إطالة النَفَس في إقامة الدليل فقد تكاثرت أقوال العلماء القدامى والمحدثين بما يدل على شرعيته فسوغوا لإجل ذلك إنشاء الجماعات بنظام خاص لغرض صالح صحيح وتسامحوا في اصطلاحاتها التي يعتقد البعض أنها محدثة”.

يقول العلامة محمد عبد الله الخطيب أحد علماء الأزهر الشريف: “ولقد جاء قيام جماعة الإخوان المسلمين قدرًا مقدورًا، وكانت الاستجابة المقدرة للتحدي الصهيوني والصليبي والمادي والإلحادي، الذي ينذر بدمار العالم، ليس العالم الإسلامي وحده، ولكن العالم أجمع”.

ضوابط العمل الجماعي

• أولا: الالتزام بالكتاب والسنة، ومنهج الإسلام القويم في الدعوة على الله.

• ثانيا: اتخاذ الوسائل والأساليب المعاصرة المشروعة في الدعوة إلى الله.

• ثالثا: اجتناب الشبهات والبدع وما أحدثته بعض الجماعات من مخالفات شرعية.

• رابعا: التزام سنة التدرج في التغيير.

• خامسا: التعاون مع الخيرين من أبناء الأمة.

• سادسا: التدرج في الخطوات.

• سابعا: الاستفادة من تجارب الآخرين.

العوائق والعقبات

المعوقات المعاصرة في طريق الدعوة وطريق العمل الجماعي للإسلام يمكن إجمالها فيما يلي:

أولا: المؤامرات العالمية على الإسلام والمسلمين

ثانيا: التشويه المتعمد للعلماء والدعاة العاملين للإسلام.

ثالثا: تشويه الجماعات الإسلامية وإلصاق تهم الإرهاب بها.

رابعا: جهل العامة بحقيقة الجماعات الإسلامية وحكم العمل معها.

خامسا: خوف العامة من الملاحقات الأمنية جراء العمل مع الجماعات الإسلامية.

سادسا: الفتاوى الخاطئة والمنحرفة الصادرة عن بعض العلماء الذين سلكوا طريق السلاطين وطريق مصالحهم الخاصة.

سابعا: ضعف بعض الأفراد المنتمين لهذه الجماعات علميا وتربويا.

ثامنا: الخلافات الداخلية الكبيرة التي تؤدي إلى الانشقاقات والفرقة البغيضة.

تاسعا: الفرقة بين الجماعات الإسلامية.

عاشرا: ضعف الموارد المادية في سبيل تحقيق الأهداف المرجوة.

حادي عشر: (العولمة) وانفتاح الدول بعضها على بعض، وانعكاساتها السلبية على الأمة الإسلامية.

التأصيل الشرعي للتنظيم

نكتفي هنا بإيراد هذا النص الثمين للشيخ رشيد رضا، الذي لا نستبعد أن الإمام البنا رحمه الله قد وقف عنده طويلاً: “وأما الأمر بالتعاون على البر والتقوى فهو من أركان الهداية الاجتماعية في القرآن لأنه يوجب على الناس إيجابا دينيا أن يعين بعضُهم بعضًا على كل عمل من أعمال البر التي تنفع الناس أفرادًا وأقواما في دينهم ودنياهم.. كان المسلمون في الصدر الأول جماعةً واحدة يتعاونون على البر والتقوى عن غير ارتباط بعهد ونظام بشري كما هو شأن الجمعيات اليوم، فإن عهد الله وميثاقَه كان مغنيا لهم عن غيره، وقد شهد الله تعالى لهم بقوله (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله).

لما انتثر بأيدي الخلف ذلك العِقْدُ، ونُكِث ذلك العهد، صرنا محتاجين إلى تأليف جمعيات خاصة بنظام خاص لأجل جمع طوائف من المسلمين وحملهم على إقامة هذا الواجب (التعاون على البر والتقوى) في أي ركن من أركانه أو عمل من أعماله، وقلما ترى أحدا في هذا العصر، يُعينك على عمل من البر، ما لم يكن مرتبطا معك في جمعية ألفت لعمل معين، بل لا يفي لك بهذا كل من يعاهدك على الوفاء، فهل ترجو أن يعينك على غير ما عاهدك عليه؟ فالذي يظهر أن تأليف الجمعيات في هذا العصر، مما يتوقف عليه امتثال هذا الأمر وإقامة هذا الواجب، وما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب كما قال العلماء.

وإن الدارس لتنظيم الإخوان المسلمين والمتفحص في لوائحهم سيكتشف أن هذا التنظيم بني من أول يوم على قواعد التنظيمات الراسخة التي انتهى إليها الفكر الإنساني، وهو كائن متطور بحسب البيئة والمراحل، فنجد فيه القيادة المسئولة، والجندية المطيعة، والنظام الأساسي الناظم للعلاقات، المحدد للمسئوليات والواجبات، المبين للأهداف والوسائل.

لقد ارتبطت فكرة التنظيم في منهج الإخوان المسلمين منذ اليوم الأول ارتباطًا وثيقًا بفكرة مشروعه، وترى الجماعة أن فكرة المشروع مهما كانت قويةً ومنتشرةً، فلا يمكنها أن تتجسد إلا إذا توفر لها جهاز منظم يعمل على نشرها نظريا، وتنفيذها واقعيًا.

التنظيم وفكرة الحزبية

لقد ثار جدل كبير حول موقف تنظيم الإخوان من فكرة الحزبية؛ وذلك بسبب كلمات نقلت عنه، منها: “لقد آن الأوان أن ترتفع الأصوات بالقضاء على نظام الحزبية في مصر، وأن يستبدل به نظام تجتمع به الكلمة وتتوحد به جهود الأمة حول منهاج إسلامي صالح تتوافر على وضعه وإنفاذه القوى والجهود”.

ففكرة التنظيم عند الإخوان تحاول إيجاد الجماعة الإسلامية المتماسكة والمترابطة حول الغاية الواحدة، والمتميزة بأعلى درجات الانضباط، من خلال العمل التربوي، المؤسَّس على الوحدة، وعلى الإخاء الصحيح، المفضي إلى التعاون بين أبناء الشعب والأمة الواحدة، في حين أن تميز العمل الحزبي بالتنافس والصراع والخلاف وارتباط أصحابه بالمصالح السياسية.

التنظيم والتيار الشعبي

هناك علاقة جدلية بين فكرتي التنظيم والتيار الشعبي في منهج الإخوان، فالتيار عندهم هو القوة الحقيقية الحاضنة والمؤيدة للمشروع، ولكن الجماهير الواسعة بغير تنظيم قائد لا يمكنها أن تحقق غايات المشروع، فالعمل المنظم هو وحده الذي يمكن الشعوب من تراكم انجازات أعمالها ومن تفعيل قوة صمودها أمام التحديات والعقبات، فالتنظيم هو الأداة والوسيلة المركزية للتفعيل والتوجيه.

وقد أسس الإمام حسن البنا رحمه الله تنظيمه ليكون وعاءً لكل أبناء الأمة، وفتح العضوية فيها لجميع من اقتنع منهم بذلك، فالتنظيم عنده ليس بديلا عن الأمة بل هو تمثيل نسبي لقاعدة واسعة منها، وإطار جامع لقطاع عريض من جماهيرها.

التنظيم والتربية الخاصة

إن العلاقة العضوية بين فكرة التنظيم وفكرة التربية يعكسها مفهوم الربانية ومفهوم الشمول في المنهج الإخواني الجامع في عملية الإصلاح بين غايات التربية وغايات التنظيم، ويمكن في هذا السياق أن نقسم أركان البيعة، أو ميثاق العمل الجماعي عند الإخوان إلى حزمتين من الأركان؛ حزمة خماسية متعلقة بغايات التربية وهي (الفهم، الإخلاص، الثبات، الجهاد، التضحية) وحزمة خماسية أخرى متعلقة بغايات التنظيم وهي (العمل، والطاعة، التجرد، الإخوة، الثقة).

ويكاد عنوان رسالة ((نظام الأسر)) يكشف لوحده هذه العلاقة العضوية بين فكرتي التنظيم والتربية، وذلك من خلال جمعه بين مصطلح (نظام) الذي يشير إلى معاني القيادة والجندية والتخطيط، ومصطلح (الأسر) الذي يشير إلى معاني التعارف والتفاهم والتكافل.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...