ما بعد مظاهرات 20 سبتمبر .. اصطفاف شعبي لإسقاط السيسي

بقلم: حازم عبد الرحمن

كانت مظاهرات  مساء الجمعة 20 سبتمبر 2019  حدثا فارقا في مسيرة الثورة المصرية ضد الاستبداد والحكم العسكري؛ حيث نزلت أعداد من الشباب المصري الثائر إلى ميدان التحرير في القاهرة وعدد من المدن والمحافظات الأخرى تهتف : “الشعب يريد إسقاط النظام : و”ارحل يا سيسي”, وقد أسقطت هذه المظاهرات الصورة الزائفة التي تروج لها الأذرع الإعلامية للانقلاب حول رضا الشعب المصري بما ارتكبه السيسي من جرائم منذ انقلابه العسكري في 3 يوليو 2013 , والتي تعددت من مجازر لرافضي الانقلاب وقتل الآلاف في رابعة والنهضة ورمسيس وغيرها, وتحويل مصر إلى سجن كبير, وتهجير أهالي رفح في شمال سيناء والتنازل عن حقوق مصر في مياه النيل, وكذلك التنازل عن حقول البترول والغاز المصرية في البحر المتوسط للصهاينة, وبيع جزيرتي تيران وصنافير  إلى السعودية, ورفع الدعم وما صاحبه من موجات الغلاء التي أثقلت كاهل المواطنين, وحولت غالبية الشعب إلى فقراء بينما تفرغ السيسي لبناء القصور لرفاهية زوجته وأبنائه على حساب الشعب الذي تزايد سخطه وغضبه على ما يجري وتراكمت لديه أسباب اعتمال الثورة, التي ظلت قائمة تتحين الفرصة للانفجار العفوي, وهو ما حدث, ولم يكن للمقاول محمد علي من دور سوى المساعدة في إظهار الغضب الشعبي الذي تجاوز دعوة محمد علي إلى النزول أمام منازلهم إلى التسابق للهتاف داخل ميدان التحرير, وهو حدث يستدعي مشهد 25 يناير فلم يكن خالد سعيد قائدا ثوريا تستجيب لندائه الملايين, وإنما كان شرارة أشعلت الثورة, وزلزلت عرش الطغيان      وخلعت مبارك من فوقه, وهكذا محمد علي كان شرارة تشعل موجة ثورية جديدة لخلع عبد الفتاح السيسي, الذي انكشف فساده تماما, وكانت إقالته ومعاقبته للمستشار هشام جنينة الذي أعلن أن حجم الفساد في مصر ستمائة مليار جنيه انحيازا مكشوفا للفساد, وكان طبيعيا أن يعود الشعب للتظاهر في ميدان التحرير بعد سنوات، تحمل فيها كثيراً, وصبر طويلاً, حتى خرج ملبياً دعوة جاءت من محمد علي الشاب القادم من دائرة فساد الحكم العسكري، ولم تأت الدعوة من تيار أو حزب سياسي ، فاستجاب لها الشباب ليقلب كل الموازين بشجاعته، ويكسر جدار الخوف الذي بناه إرهاب السيسي خلال السنوات الست الماضية.

وتمددت مظاهرات الجمعة بعدها على مدى أيام الأسبوع في مناطق أخرى, مثل السويس وبورسعيد والبحيرة؛ ما جعل الخوف يزلزل أركان الحكم العسكري, وهو ما يؤدي إلى انقسام وانشقاقات في الرأي قد تذهب في النهاية إلى التضحية بالسيسي ؛ حفاظا على النظام, كما حدث أن تخلى المجلس العسكري عن المخلوع مبارك, وتركه يسقط.

* تعطل الدعم الخارجي

منذ التجهيز للانقلاب العسكري على الرئيس الشرعي محمد مرسي, يعتمد السيسي وعصابة العسكر على الدعم الخارجي, متمثلا في الولايات المتحدة ووزير دفاعها السابق تشاك هيجل, وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد, والملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز, ومن بعده ولي العهد محمد بن سلمان, وخلف هؤلاء وقف الصهاينة في كل مكان لدعم الانقلاب على إرادة الشعب المصري؛ حتى يظل أسيرا في قيود الاستبداد والتبعية, والآن وبعد ست سنوات تبدلت الأحوال, وصار كل داعم من هؤلاء لديه ما يشغله في نفسه من كوارث وقع فيها؛ فالسعودية تعيش حالة غير مسبوقة من الارتباك في اتخاذ القرار بعد تورطها في مستنقع اليمن سنوات دون إنجاز سوى إنفاق المليارات لتخريب جارها الجنوبي , واختارت حالة العداء مع إيران ورفضت الحوار مع الدولة الأقوى في الخليج, وتجاهلت خطر الأذرع الإيرانية التي قصفت البترول السعودي وعطلت شركة آرامكو عن تصديره, مع تصاعد حالة السخط على أداء ولي العهد الذي أمسك بمقاليد الحكم قبل الأوان.

  وفي الإمارات جلب ولي عهد أبو ظبي مشكلات كثيرة على بلده الثري, وأدخله في صراعات ليس في حاجة إليها, دون دافع له جدوى حقيقية سوى أحلام ابن زايد في أن يتربع على عرش دولة, أوهمه أصدقاؤه بأنها ستكون مثل إسبرطه, لكن الإمارات اليوم تواجه تحديات غير مسبوقة  لن تستطيع تجاوزها على ضوء  معطيات المرحلة الحالية. ولعل من أبرزها خطر اندلاع حرب على مضيق هرمز وتغطية تكاليف التسلح والتدخل في حروب وأزمات منطقة الشرق الأوسط والتي تستنزف أموالا ضخمة, لا بد من تغطيتها من احتياطات البلاد من العملات الصعبة أو عن طريق الاقتراض.

 أما الداعمان الأمريكي والصهيوني فهما في أزمات داخلية, فبرغم تصريحاته المؤيدة للسيسي, يواجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بدء إجراءات عزله من جانب مجلس النواب, ويعيش الكيان الصهيوني حالة من الاختلاف بين الأحزاب لتشكيل الحكومة بعد تقارب نتائجها في الانتخابات؛ وقد توقع إسحاق ليفانون السفير الصهيوني السابق لدى مصر، أن التهديدات التي تواجه عبد الفتاح السيسي، ترجح سقوطه كما سقط حسني مبارك.

وانشغال رعاة الانقلاب والحكم العسكري عن دعم عميلهم في القاهرة يعطل الدعم الخارجي للسيسي الذي بدأ أيضا يفقد دعمه من الأجهزة الأمنية في مصر, وكذلك عدد من قيادات الجيش يريدون النجاة بأنفسهم بالقفز من سفينة السيسي التي يبدو أنها تقترب من الغرق.

* الشعب يتوحد من جديد

 منذ نجاح ثورة 25 يناير في خلع مبارك, عمل العسكر على بث الفرقة والانقسام بين رفاق الثورة, واستخدموا في ذلك كل مؤسسات الدولة, وكانت مظاهرات 30 يونيو التي أوعز إليها الجنرالات في 2013 ذات بعد طائفي معلن, كما ظهر في تصريحات القيادات الكنسية, وأكده وزير الداخلية محمد إبراهيم وقتها فيما قدمه إلى رئيس الجمهورية, وفشلت حركة “تمرد” الممولة من الإمارات والمسنودة من العسكر في حشد الأعداد المطلوبة في ميدان التحرير لتبرير الانقلاب العسكري؛ فكان اللجوء إلى الفنانين ورجال الشرطة وتوزيع العصائر وزجاجات المياه, واستخدام تقنيات السينما لتضخيم أعداد المتظاهرين؛ حتى يتسنى إعلان الانقلاب, فانفجر الشارع المصري غضبا على خيانة العسكر, وإلغاء إرادة الشعب, ونزلت الملايين الحقيقية تهتف ضد الانقلاب وتطالب الجيش بالرجوع إلى الثكنات, وعملت الآلة الإعلامية للعسكر على تعميق فجوة الانقسام بين الشعب؛ لكن قائد الانقلاب الأحمق أعاد ـ بغبائه وخيانته ـ توحيد صفوف الشعب من جديد؛ ليتجه ثائرا إلى الميادين, ويهتف ضد السيسي: “ارحل”, وهي حالة لم يخطط لها أحد, وليست إلا تدبيرا قدريا فوق جهد البشر؛ فعادت أجواء 25 يناير بما لها من بريق وذكرى غالية في الانتصار للشعب ضد السلطة الغشوم.

ويضاف إلى المشهد الثوري في 20 سبتمبر غياب مدرعات الجيش والشرطة عن ميدان التحرير, والتعامل قليل الخشونة من جانب الشرطة في مواجهة الثوار؛ ما يعزز ما رشح من أخبار عن حالة من الرفض داخل الجيش لبقاء السيسي, الذي تسبب في تدهور سمعة القوات المسلحة ومكانتها لدى الجماهير, ومعها أيضا حالة القلق في وزارة الداخلية وتوريطها في القتل خارج إطار القانون, وهو ما يعني أن ضباط الشرطة سيقفون متهمين بقتل الأبرياء, وساعتها سيتحملون مسئولياتهم عن إزهاق أرواح الأبرياء؛ لذلك لن يكون بعيدا حدوث انقلاب على الانقلاب لكن الجماهير الواعية قادرة على تحويله إلى ثورة كاملة تنهي حكم العسكر.

*جمعة 27 سبتمبر

ما حدث مساء الجمعة 20 سبتمبر وما تبعه من مظاهرات يجعل المراقب يتوقع مشاركات أوسع في المليونية التي تمت الدعوة إليها في الجمعة 27 سبتمبر, ولو كان تعامل الجيش والشرطة على نفس وتيرة مظاهرات 20 سبتمبر ستتصاعد احتمالات إزاحة السيسي, خاصة بعد اعتقال شخصيات سياسية وأكاديمية مثل حسن نافعة وحازم حسني الأستاذين بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية وخالد داود الرئيس السابق لحزب الدستور, وقبلهما الدكتور نادر فرجاني والقيادي اليساري كمال خليل ؛ فهي مقدمات موجة ثورية قوية يخشاها السيسي وعصابته .

ومن المهم أن يتنبه رافضو بقاء السيسي من القيادات الأعلى إلى أنهم لو فشلوا في حماية الجماهير من بطش بعض الموالين للسيسي سوف تكون الدائرة على هذه القيادات نفسها, ولو نجا السيسي من السقوط سيعود لينتقم من هذه القيادات, وسيستمر في مخططه لتدمير الدولة. 

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...