تظاهرات مصر في ضوء “هشاشة السلطوية في العالم العربي”

في دراسة تحليلية لمركز كارينغي للدراسات، بعنوان “هشاشة السلطوية في الوطن العربي” للباحث

مروان المعشّر، وهو نائب الرئيس للدراسات في مؤسسة كارنيغي، تؤكد أن البناء المؤسساتي في المجتمعات العربية بات ضعيفا لدرجة كبيرة، حيث بات بمقدور الشعوب العربية تحمل غياب المؤسسات أو ما تسمى بخالة الفوضى ، بسهولة ، حيث في أحيان كثيرة يبقى غياب المؤسسات أفضل شعبيا ومجتمعيا من وجودها بقمعها واستبدادها الذي صار معهودا في العديد من البلدان العربية…

وتؤكد دراسة كارينغي، أنه بعد انتهاء عاملي الخوف العام 2011 والمال الريعي العام 2014 باتت هشاشة السلطوية في الوطن العربي ماثلة للعيان، فقد نضبت عوامل استدامتها بينما تعرت عوامل فشلها في معالجة مشاكل شعوبها

الأمن أولا وأخيرا

ولم تفلح السلطوية العربية، سوى في تطوير قبضتها المنية فقط، بل أثبتت السلطوية في العالم العربي مرونتها الفائقة في التعامل مع الاحتجاجات الشعبية في بلدانها وإعادة اختراع نفسها بوسائل شتى لإبقاء استحواذها على السلطة وعدم مشاركة أي قوى سياسية في عملية صنع القرار. ولعل هذه النتيجة متوقعة تماما حين منعت هذه السلطوية أي تطوير جاد لمؤسسات الدولة عدا المؤسسة الأمنية، وبذلك ضمنت عدم إمكانية ملء الفراغ الذي قد تولده أي احتجاجات شعبية إلا من المؤسسة الوحيدة القادرة على ذلك، أي المؤسسة الأمنية.

العسكرة بمصر

ومن أبرزالنماذج الخاضرة في هذا السياق، المؤسسة العسكرية في مصر والتي سيطرت على الدولة منذ العام 1952 وبأشكال متعددة ظاهرها مدني وحقيقتها أمنية، وحتى حين أدت الاحتجاجات في 2011 إلى الإطاحة بحسني مبارك، عاد العسكر إلى الحكم وبسلطوية اعلى مما كانت عليه قبل العام 2011.

كما أن غياب المؤسسات في ليبيا وسورية واليمن أدى لفراغ هائل في السلطة ولحروب داخلية ولمطالبة البعض بعودة السلطوية حماية لهذه البلدان، في تجاهل واضح لحقيقة ان هذه السلطوية شكلت السبب الرئيس في الانفجارات التي كان لا بد في تسببها بالفراغ طالما أن السلطة استهدفت عدم قيام مؤسسات فاعلة تحمي هذه البلدان وتضمن عودة الاستقرار بسرعة.

ولم تنج من هذا المآل سوى تونس، فمنذ اللحظة الأولى  لثورتها، شرعت في بناء مؤسساتها التشريعية والحزبية حتى لا يُخلق فراغ يؤدي إلى الفوضى.

لكن السلطوية في عالمنا العربي ترفض استيعاب هذا الدرس، بل تتجاهله لأن إقرارها به إقرار بفشلها في تنمية بلدانها.

وتؤكد الدراسة أن مرونة بناء المؤسسة الأمنية وتطويرها في العالم العربي، ليست دليلا عل قوة السلطوية، على العكس، فإن تطورات العقد الماضي قد أظهرت هشاشة السلطوية العربية، ففي حين أظهرت هذه السلطوية قدرة فائقة على القمع، فقد أظهرت ايضا وبنفس المقدار فشلا ذريعا في تقديم الحلول الناجعة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه شعوبها. وبذلك، لم تعد حجة “أنا أو الفراغ” بذات درجة إقناعها السابق. وأصبح لسان حال المواطن العربي يفضل الفراغ احيانا على إعادة تدوير السلطوية بحلل جديدة تنتج نفس الإخفاقات القديمة.

وتحلل الدراسة المشهد في الجزائر والسودان،

كأمثلة حية على شعوب لم تعد تقبل بالحجج القديمة التي تبقي أنظمة تحتكر صناعة القرار وتحتكر الفشل ايضا، وتحتمي بغياب المؤسسات التي تسببت هي بعدم تطويرها، وبدأت تدرك هذه الشعوب ان ثنائية السلطوية أو الفراغ دوامة لا تنتهي ولا تؤدي إلى استقرار أو ازدهار.

فلم يعد الشعبان الجزائري والسوداني يقبلان بالحل العسكري حتى مع ضعف مؤسساتهما المدنية.

انكسار حاجزالخوف

بعد انتهاء عاملي الخوف العام 2011 والمال الريعي العام 2014 باتت هشاشة السلطوية في الوطن العربي ماثلة للعيان، فقد نضبت عوامل استدامتها بينما تعرت عوامل فشلها في معالجة مشاكل شعوبها. هي إذن سلطوية هشة يمكن للغضب الشعبي تهديدها في أي لحظة، كما أظهرت ذلك مصر وتونس واليمن وليبيا وسورية والجزائر والسودان.

وهو ما يؤكد أن  السلطوية ليست حلا مستداما، وقد أصبحت معرضة للاهتزاز في أي لحظة، ما يعني أن تأجيل الإصلاح السياسي بانتظار ظروف أفضل لم تعد حجة تقنع شعوبا محبطة وغاضبة، كما ان ترف الوقت اللامتناهي يتلاشى يوميا. الحل المستدام يكمن في بناء المؤسسات التي تضمن توسيع قاعدة صنع القرار، ففي ذلك وحده حماية للأنظمة والبلاد.

مأزق مصر

ليس المأزق الراهن الذي يواجهه نظام عبد الفتاح السيسي في مصر مجرّد إعادة إنتاج حالة الاستقطاب التي أعقبت الانقلاب العسكري الذي أطاح الرئيس محمد مرسي، بقدر ما أصبح عنوانا لإفلاسٍ شاملٍ ومدوٍّ لهذا النظام الذي تعوزه الشرعية السياسية والأخلاقية.

فعلى الرغم من أنه يحاول جاهدا، من خلال إعلامه تأطير المظاهرات التي اجتاحت مدنا مصرية نهاية الأسبوع الماضي، ضمن هذا الاستقطاب الذي يختصر الأزمة في ”صراع وجود” يخوضه ضد ما يسميه ”إرهاب” جماعة الإخوان المسلمين، إلا أن المشهد يتجاوز هذا الخطاب الذي لم يعد ينطلي على شرائح واسعة من الشعب المصري، في ظل حالة الاحتقان السياسي والاجتماعي التي يشهدها البلد منذ ست سنوات.

ويذهب مراقبون إلى أنه

من المرجح أن هناك صراع أجنحة داخل النظام المصري، يُغذّيه تقلص القاعدة الاجتماعية للأخير، وتردّي الخدمات العامة، وارتفاعُ نسبة البطالة والفقر، وغيابُ أي أفق إصلاحي على المدى القريب. بمعنى أن هناك قوى داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية أصبحت ترى في السيسي عبئا سياسيا ثقيلا، وأنه صار خطرا على الدولة العميقة، بكل نفوذها وسطوتها، ولا سيما بعدما أخفق في إعادة هندسة المشهد السياسي بعد الشرخ الكبير الذي أحدثه انقلاب 2013، واجتراح نظام سلطوي يحفظ الحد الأدنى من الحراك السياسي المتحكّم فيه ويؤسّس لديمقراطية ”شكلية” على غرار ما كان الأمر عليه قبل ثورة 25 يناير، فالسيسي لم يكتف بإطاحة رئيسٍ منتخب بطريقة ديمقراطية، بل سجنه ومنع عنه العلاج متسبّبا في تدهور صحته، ما يجعل وفاة مرسي أقرب ما تكون إلى الاغتيال السياسي المدبّر. كما لاحق خصومه من مختلف التيارات والأطياف، وأعاد تشكيل الأجهزة الأمنية، مُزيحا من مواقع المسؤولية كل من يرتاب في ولائه له، وتنصّل من الوعود التي أطلقها عقب انقلابه الغادر، وتخلى عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، ناهيك عن أنه أصبح أحد عرّابي الثورة المضادة ورموزها في المنطقة.العربية، سواء في ليبيا والسودان…

ومثل اعتراف السيسي بما قاله الفنان محمد علي  في فيديوهاته، خصوصا اعترافه بتشييد قصور رئاسية في استفزاز سافر لمشاعر المصريين الذين تعاني شرائح واسعة منهم شظف العيش وضيق ذات اليد. ما يُقوّض أي شرعية مزعومة لنظام حكمه.

ولا يستبعد أن يؤدي الصراع داخل نظام السيسي إلى تشكل مراكز قوى جديدة تدعم، بطريقة أو بأخرى، المظاهرات المناوئة لبقاء السيسي في الحكم، وتعمل على توسيع قاعدتها الاجتماعية بهدف انتقالها إلى ثورة شعبية على غرار ثورة 25 يناير، الأمر الذي ربما يؤدي إلى تضييق الخناق على السيسي وزمرته، وبالتالي فقدانه دعم حلفائه في الداخل والخارج، ما قد يعجّل بتهاوي نظامه، كما حدث مع عمر البشير في السودان. ومن غير المستبعد أيضا أن يتم اجتراح صيغة توافقية يحتفظ بموجبها الجيش بنفوذه، مع إعادة بناء المشهد السياسي من خلال إطلاق حوار وطني شامل، والعفو عن المعتقلين السياسيين، وتحقيق العدالة الانتقالية، الشيء الذي قد يجعل إمكانية تكرار السيناريو السوداني في مصر أمرا واردا.

استشراف المستقبل

ولعل حالة الاستنفار المتصاعدة لحشد مؤيدين للسيسي في اليادين العامة في تظاهرات الجمعة 27 سبتمبر، تعبر عن حجم القل المتصاعد في أوساط النظام المصري، بعد كسر حاجز الخوف لدى الشعب، والذي ظل السيسي يشيده لمدة 6 سنوات…

ويتبقى الحسم في يد الحراك الشعبي، الذي ينقصه التوجيه والتصعيد التدريجي، اذ من المحتمل ان يستمر لفترة في ظل دعم أطراف اقليمية ودولية للسيسي ، كأمريكا واسرائيل وتلامارات والسعودية….إذ أن انهيار نظام السيسي سيجر بالتبعية كثير من أعمدة الطغيان والاستبداد في المنطقة نحو الهاوية، نظرا لهشاشة السلطوية وضعفها أمام الاحتقان الشعبي المتصاعد اقلييا وعربيا…

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...