السيسي والحروب الوهمية.. موسم الهروب إلى ليبيا

بقلم: حازم عبد الرحمن

مع بداية شهر يناير من كل عام يتزايد قلق عبد الفتاح السيسي وعصابة الانقلاب بسبب ذكرى ثورة 25 يناير التي أطاحت بالمخلوع مبارك بعد 30 عاما في الحكم, وقبل نهاية 2019 , حدث تغير يزيد من قلق الانقلابيين أكثر, وهو توقيع وثيقة التوافق المصري, بهدف إسقاط السيسي, وإنهاء حكم العسكر في مصر, وقد أكدت مظاهرات جمعة الخلاص في 20 سبتمبر 2019  أن روح الثورة باقية, مهما مارس السيسي وعصابته من أساليب القمع والإرهاب ضد الشعب المصري, وأن الاصطفاف الشعبي لإسقاط حكم العسكر سهل التحقيق في الميدان, وقد زاد الوعي لدى الشعب بضرورة إسقاط السيسي الذي خدعه بالوعود والأكاذيب, بينما هو يبني القصور لأسرته بالمليارات, ويرفع الأسعار التي أفقرت نصف عدد السكان, ولا يمكن تجاهل الدور المتعاظم لوسائل التواصل الاجتماعي, وظهور خصوم وأعداء جدد للسيسي من غير أنصار ثورة 25 يناير, كما أن ولاء الجيش لشخص السيسي غير مضمون, وقد يلقي الجيش البيان رقم واحد إذا نجحت المظاهرات في احتلال الميادين, فضلا عن التقارير التي تقدمها الأجهزة الأمنية إلى السيسي يوميا, وهي كلها ترصد حالة الغليان الشعبي التي تتحين الفرصة للانفجار.

ويراقب جنرالات الحكم العسكري في مصر التطورات التي شهدها عام 2019 في الوطن العربي, حيث جرى خلع الرئيس السوداني عمر البشير بعد 30 عاما في الحكم الذي وصل إليه بانقلاب عسكري على حكومة مدنية منتخبة, وكذلك إجبار الحراك الشعبي في الجزائر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على الانسحاب من الترشح لولاية خامسة, ويشهد العراق منذ أول أكتوبر 2019 مظاهرات في بغداد وبقية محافظات جنوب العراق احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية للبلد، وانتشار الفساد الإداري والبطالة, وقد أصاب الهلع القوى الإقليمية المستفيدة, وأذرعها المحلية التابعة؛ فشرعوا في التآمر لوأد الثورة, وفي لبنان تجري الأحداث نفسها, وتواجه المؤامرات ذاتها, ومن المؤكد أن مصر لن تكون بعيدة عن الموجة الثورية الجديدة؛ ما جعل حكم العسكر في مصر يعيش أزمة حقيقية, وقد خسر الجنرالات سمعتهم بعد التقاعس عن الرد على التهديد الإثيوبي بإعلان حرب على مصر؛ ما مثل إحباطا وصدمة لدى مؤيديهم الذين كانوا يفاخرون بقائد الانقلاب ويشبهونه بإيزنهاور؛ ما وضعه في مأزق كبير عندما عجز عن الرد على تهديد رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد.

*الحل في ليبيا

أمام المأزق الداخلي الكبير الذي يعيشه السيسي وعصابة العسكر, كان لا بد من عمل يلفت الأنظار عن الفشل والفساد الداخلي, والعجز عن مواجهة التحدي الإثيوبي في سد النهضة؛ فجرى اصطناع عدو خارجي لمصر تمثل في تركيا, لكونها مؤيدة لثورات الربيع العربي, وكانت الفرصة في تفاهمات واتفاقيات مع خصوم تركيا متمثلين في اليونان وقبرص والكيان الصهيوني, وتم ترسيم حدود بحرية تمنح اليونان 40 ألف كيلو متر مربع من المياه الاقتصادية لمصر في البحر المتوسط؛ ليحاصر تركيا في شمال شرق المتوسط, وهي التي جاء ردها مفاجئا بتوقيع اتفاق مع الحكومة الشرعية الليبية في طرابلس على ترسيم الحدود البحرية بينهما, بما يعيد إلى مصر الـ 40 ألف كيلو متر مربع من مياهها الاقتصادية في البحر المتوسط , التي كانت قد تنازلت عنها لليونان خلال اتفاقية وقعها السيسي،  وردا على ذلك نشر الموقع الرسمي لوزارة الدفاع المصرية، فيديو يوضح فعاليات الأنشطة القتالية في مسرح عمليات البحر المتوسط، والتي تهدف إلى فرض السيطرة البحرية على المناطق الاقتصادية بالبحر، وتأمين الأهداف الحيوية في المياه العميقة, وظهرت حاملة المروحيات (ميسترال) ومجموعتها القتالية في عدد من الأنشطة القتالية والتدريبية, تضمنت قيام إحدى الغواصات المصرية بإطلاق صاروخ مكبسل عمق سطح مضاد للسفن ويصل مداه إلى أكثر من 130 كم . والرسالة واضحة من وراء هذا الاستعراض العسكري, بالرغم من تراجع وزير خارجية الانقلاب عن رفض ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا, وقال إنه لا يضر مصر, لكن الأذرع الإعلامية للانقلاب ظلت تردد أسطوانة واحدة هي أن مصر تحمي ثرواتها في المتوسط من أطماع إردوغان(!), والحقيقة أن مصر ليست مقصودة من الاتفاق التركي الليبي, وأن من سيتضرر من هذا الاتفاق هو ثلاثي التآمر اليونان والعدو الصهيوني وقبرص, لكن السيسي يسخر قوات البحرية المصرية نيابة عن الثلاثة ضد تركيا , وكان الأولى به أن تتجه الطائرات الحربية جنوبا لتدمير سد النهضة قبل أن يصل إلى مرحلة التشغيل الكامل, لكن الأوامر جاءت له من أبو ظبي وتل أبيب بمضايقة تركيا في البحر المتوسط؛ فكان الاستعراض العسكري في الشمال هروبا من المواجهة الحتمية في الجنوب.

*تعبئة للحرب في المتوسط

وفي استعراض جديد أعلن المتحدث العسكري عبر صفحته الرسمية قيام القوات البحرية المصرية بتنفيذ عملية برمائية كاملة بإحدى مناطق البحر المتوسط باشتراك حاملة المروحيات جمال عبد الناصر ومجموعتها القتالية والتى شملت الفرقاطات طراز (جو ويند) وطراز (بيرى) ولنشات صواريخ طراز (سليمان عزت) إضافة إلى إحدى الغواصات الألمانية الحديثة طراز (209) وعدد من وحدات مكافحة الغواصات وعناصر متعددة من القوات الخاصة البحربة وشهد التدريب إشتراك القوات الجوية متمثلاً فى الهليكوبتر الحديثة طراز( كاموف) وطائرات ( الأباتشى ) و(f-16) إضافة إلى الطائرات طراز (شينوك), واشتراك مجموعات قتالية من قوات المظلات والصاعقة إضافة إلى مجموعة قتالية خاصة من المنطقة الشمالية العسكرية, وتزامن ذلك مع عقد اجتماع مجلس الأمن القومي برئاسة السيسي, وتصديره خبرا رئيسيا في الصحف والأذرع الإعلامية للانقلاب, وتدشين حملة تعبئة على مواقع التواصل الاجتماعي لتأييد الجيش وتحركاته لتأمين حدود مصر وأمنها القومي, والاستعانة بالفنانين, ونشر الكتائب الإلكترونية مزاعم حول الوضع في البحر المتوسط, وأنه متأزم بشكل كبير, وأن هناك احتمالا لحدوث صدام بحري وجوي بين مصر و تركيا، مع الهجوم على قناة الجزيرة وإعلام الثورة بزعم نشر إشاعات هدفها هدم الروح المعنوية المصرية… إلخ, والحقيقة أنه لا عدوان عسكريا على مصر في الشمال, أو الغرب, وأن العدوان المؤكد يتم فعلا في الجنوب حيث سد النهضة الإثيوبي, لكنه الهروب من مواجهة إثيوبيا, والتوجه شمالا بزعم أن هناك حربا تهدد البلاد.

*هل تندلع حرب بين مصر وتركيا؟

السؤال المهم: هل هناك مصلحة لمصر وتركيا في اندلاع حرب بينهما؟,  الجواب: بالطبع لا؛ والسبب أن اندلاع معركة بحرية يعني تهديد التنقيب في حقل الغاز “ظهر” وحقول أخرى يسيطر عليها الكيان الصهيوني واليونان؛ ما يهدد مستقبل الغاز في المنطقة لسنوات؛ لأنها ستتوقف بسبب أي اشتباكات بحرية, وقد استبعد ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي اندلاع مواجهة مباشرة بين الجيشين المصري والتركي، وقال: “إن مصالح الدولتين واحدة في البحر المتوسط، ولا نريد سوى الخير لمصر وتركيا,  ونتمنى أن نكون في حالة تعاون لا تنازع”, ومن ناحية أخرى فإن تركيا ليست في حاجة إلى صراع عسكري, بعيدا عن حدودها, وخطواتها في دعم حكومة الوفاق الشرعية في طرابلس محسوبة, وهي لن تدخل بقواتها في حرب شاملة للقضاء على حفتر, وفي الغالب سيتم تسليح قوات الحكومة الشرعية بما يكفي لمواجهة الغارات الجوية والتصدي لمحاولات اقتحام العاصمة طرابلس, مع تقديم المعونة اللازمة في التدريب والاستشارات العسكرية, لكن الأهم هو حماية طرابلس من السقوط؛  ليبدأ بعدها الحل السياسي, وهناك أخبار تتردد عن نية تركيا ضرب مواقع مهمة لميليشيات حفتر تجعلها عاجزة عن القتال, وهو ما أزعج محور الثورة المضادة الذي ناشد العالم التدخل لوقف الدعم التركي لحكومة الوفاق, فيما يقوم السيسي وبن زايد وفرنسا وروسيا بدعم الانقلاب العسكري لحفتر ضد الحكومة المعترف بها دوليا.

أما مصر, ففيها ما يكفيها من مشكلات اقتصادية طاحنة, وقد خسرت بورصتها ٢٨.٦ مليار جنيه من قيمة رأسمالها؛ بسبب حديثها عن الحرب, كما أنها تعاني حالة عدم استقرار تجعل دخولها حربا مغامرة جنونية, قد تؤدي إلى انقلاب عسكري, وسقوط السيسي ونظامه, فضلا عن غياب مبررات دخول الحرب التي يجب أن تكون دفاعا عن حدود البلاد, وليس القتال كمرتزقة دعما لانقلاب عسكري في دولة أخرى, بل إن ما كان يستوجب الحرب فعلا تم التغاضي عنه في سد النهضة الإثيوبي الذي أخذ فرصته كاملة من تجاهل الخيار العسكري إزاءه, وجعله خطرا كبيرا على الحياة في مصر؛ حتى يبقى السيسي (فاقد الشرعية) مغتصبا لإرادة الشعب المصري, بزعم وجود أخطار خارجية تهدد أمن البلاد, وهذا هو الهدف الحقيقي من الحملة الدعائية للحرب المزعومة التي لن تقع, ولن تنطلي الخديعة على الشعب بسبب حالة الوعي التي تراكمت لديه بعد مرارة الحكم العسكري, وكذلك بسبب دور وسائل التواصل الاجتماعي الراصدة لجرائم السيسي, وقد دشن مغردون مصريون هاشتاج “دم جنودنا مش للبيع”، رداً على الكتائب الإلكترونية التي تروج للتدخل العسكري في ليبيا ضد تركيا، ليدعو المشاركون في الهاشتاج إلى عدم دخول الجيش المصري في أي حرب خارج الحدود, واتهم المغردون السيسي بالتضحية بدماء الجنود مقابل “الرز” الخليجي من محمد بن زايد.                                                                                                                                                                                            

*وما ذا بعد؟

 وإذا كانت مصر وتركيا لا تريدان حربا بينهما؛  فمن المؤكد أنها لن تقع, لكن ما مصير الحملة الدعائية للحرب التي يتبناها إعلام الانقلاب؟, وماذا ستقول بعد مرور الوقت دون مواجهة بين الدولتين؟, الإجابة في كتالوج الحكم العسكري الذي يعتمد على تحويل أي عمل بسيط إلى نصر كبير حاسم على العدو؛ بوضعه تحت مكبرات الإعلام السلطوي, ولذلك لن يكون غريبا على الأذرع الإعلامية للانقلاب أن تعلن أن التحركات المصرية وجاهزيتها منعت المغامرات التركية (!). 

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...