ظهر الفساد وحلَّ الظلم.. لعنة الدم بعد “رابعة”

15_08_16_01_21_maxresdefault

 

لم تكن مجزرة رابعة العدوية محطة عابرة في تاريخ مصر كغيرها، لكنها رسمت خطوطًا فاصلة للواقع المصري فهي تاريخيًّا أبشع مجزرة في تاريخ مصر الحديث، ونقطة فاصلة للمسار الثوري من أجل حماية مكتسبات ثورة 25 يناير، وعودة لعصور القمع وحظر الأنشطة السياسية والمشاركات الديمقراطية المعروفة، واستحضار لدولة الخوف يصاحبه انحدار اقتصادي رهيب نفذه العسكر بدولته التي عاثت في مصر فسادًا.

أبشع مجزرة

قالت منظمة “هيومن رايتش ووتش” الحقوقية: إن السلطات المصرية وبعد ثلاث سنوات على مجزرة رابعة لم تحاسب أحدًا، ولم تتخذ الأمم المتحدة أي تدابير تذكر لمحاسبة المتورطين.

ووصفت المنظمة ما جرى في ميدان رابعة بأنه واحد من “أسوأ حوادث القتل الجماعي” في التاريخ الحديث، وبأنه “جريمة ضد الإنسانية” راح ضحيتها ما يزيد على ألف مواطن مصري من مؤيدي الرئيس محمد مرسي.

وبحسب بيان المنظمة، فقد قالت المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط، سارة ليا ويتسن: إن على السلطات المصرية ضمان محاسبة مرتكبي هذه الجريمة الخطيرة، وإن تاريخ فض الميدان في 14 أغسطس بقعة سوداء في سجل مصر لا يمكن للحكومة أو حلفائها التخلص منها.

المسار الثوري والسياسي

كان اعتصاما ميداني رابعة والنهضة خطّا الدفاع عن المسار الثوري ومكتسبات ثورة 25 يناير وما حققته من تحرر للشعب من الظلم والاستعباد، وبالقضاء على هذا الخط وقعت انتكاسة كبيرة لحقوق مصر الثورة وشعبها الثائر.

وعلى المستوى السياسي لم تكن مجزرة رابعة وأخواتها إلا حلقة من حلقات الترهيب السياسي المجرم الذي مارسه الانقلاب العسكري ليمنع أي صوت يتكلم غير صوته ويعود بمصر إلى غياهب دولة الحزب الواحد، فلا نقاش ولا معارضة.

ولتجميل الصورة أنشأ مجموعة من الهياكل الكرتوونية تحمل اسم أحزاب تدور في فلك الانقلاب وتؤيد بطشه، والأمثلة على تلك الأحزاب كثيرة، ويعلمها كل مراقب صادق لأوضاع مصر، ويدرك ان ما هي إلا هياكل هلامية واوعية سياسية فارغة جوفاء تعمل بأوامر سلطة الانقلاب.

دولة الخوف

بعد مجزرة رابعة استطاع الانقلاب العسكري صناعة دولة الخوف بمصر عبر مزيد من القمع والظلم والاستعباد والاذلال للشعب والتعذيب والقتل وسفك الدماء، وكان أبطال هذا العمل امبراطورية الشرطة واللصوصية والسرقات والسطو، فتاريخها معروف وبطشها بالمواطن لا تخطئه العين بمجرد ضغطة زر على مؤشر البحث في الأخبار.

يقول الكاتب الصحفي عبد الناصر سلامة إن حالة الرعب باتت مسيطرة على الجميع داخل الدولة المصرية، سواء على مستوى الأُسر والأصدقاء، والأفراد والجماعات، فهي أصبحت المشهد المسيطر على مستوى كل الأوساط تقريبًا.

وتابع خلال مقال له بصحيفة “المصرى اليوم”: إن المناقشات العادية ما إن تتطرق إلى مشاكل الوطن، بسلبياتها وإيجابياتها، حتى يهم صاحب المنزل، أو المسؤول عن المكان، وأحياناً أكثر من شخص فى توقيت واحد، بجمع الهواتف التى يحملها الحضور، كل الموبايلات بلا استثناء، رغم أنها مغلقة، السؤال هو: إيه يا جماعة فيه إيه؟، الإجابة فورًا: لم يعد هناك أمان، يا جماعة نحن نتحدث فى الشأن العام، هذه أمور طبيعية، لا نتآمر، لا نسُب، لا نلعن، لا نخطئ فى حق أحد، مافيش فايدة، الإجابة: الاعتقالات الآن عمّال على بطّال، الظلم أصبح بلا حدود”.

وأضاف: “ثم تتوالى الحكايات “أبن فلان جارنا اللى أخذوه علشان كان كاتب كلام تافه على الفيسبوك، وفلان قريبنا اللى خدوه من غير سبب، ومش عارف مين اللى اختفى من كام شهر وما فيش حد يعرف له مكان». أولا: نسأل عن كيفية الخوف من التليفونات وهى مغلقة، الإجابات عليها أيضاً كثيرة، تسمع مَن يقول: فلان قال لى احنا بندخل على التليفون، حتى وهو على بعد عشرة أمتار من المتحدث، فلان قال إحنا عندنا برنامج بيدخل على كل الملفات اللى على التليفون، صور، ومحادثات، وماسينجر، وفيديوهات وخلافه، وأيضاً تتوالى الحكايات فى هذا الشأن، خاصة ما يتعلق منها بالكمبيوتر الذى أصبح يمثل أداة تهديد هو الآخر، أكثر منه وسيلة مساعدة.

بالتأكيد ما زاد وما فاقم من هذه الحالة هو تلك المحادثات الشخصية، التليفونية وغير التليفونية، بين الأفراد، والتى أُذيعت خلال الشهور الأخيرة، على الهواء مباشرة، من خلال بعض القنوات التليفزيونية الفضائية، دون اتخاذ أى إجراء قانونى مع الجهة التى قامت بالتسجيل، أو مع مَن قام بتسريبها لجهات أخرى، إعلامية أو غير إعلامية، أو مع مَن أذاع، أو مَن وافق على الإذاعة، ولا مع أى مسؤول عن هذه الأزمة الأخلاقية”.

النكبة الاقتصادية

ما تبع مجزرة رابعة من انحدار اقتصادي لم يعد خفيًّا على القاصي والداني من سوء أحوال المعيشة والشح والبطالة والكساد وانهيار قيمة الجنيه ومعاناة المصريين من شظف العيش وغلاء الأسعار وتدهور قيمة الجنيه والقروض والمعونات.

وقد رصدت مجلة الإيكونومست في مقال تحليلي أوضاع الدولة المصرية بعد الانقلاب العسكري وما لحقها من انحدار مشيرة إلى انعدام كفاءة السيسي أمام الرئيس المنتخب محمد مرسي .

وترى المجلة أن ارتفاع نسبة الشباب في بلدان العالم هو مدعاة للنهضة الاقتصادية.. أما في الديكتاتوريات العربية فهم يعتبرون خطرًا، لأنهم الطليعة التي أشعلت الانتفاضات في تونس ومصر وليبيا واليمن، وهددت عروش بعض ممالك الخليج، وهم أيضًا مثقفون وينظرون بعين الريبة إلى النخب السياسية والدينية في بلدانهم.

وذكرت المجلة أن مصر أكثر الدول المثيرة للقلق إثر ازديادة حدة القمع، والتدهور غير المسبوق للوضع الاقتصادي في ظل قيادة عبد الفتاح السيسي؛ ما يهيئ الأوضاع لانفجار جديد.

دولة العسكر

كشفت مجزرة رابعة مدى الانحطاط الذي وصل له عسكر مصر الذين يقتطعون مبالغ رهيبة من ميزانية المصريين في مقابل ان يقومون بحماية المواطنين والدفاع عن الأرض، لكن دورهم المنحط في مجزرة رابعة جاء مخالفا لذلك بالمرة فهم من قتل المواطنين ودولتهم هي التي تفرض في الأرض وتتهاون عن حمايتها، فبعد رابعة تأكد المسار العسكري بتورطهم في سفك الدماء والقتل وتعطشهم للسلطة والمال والعمالة للأجانب مقابل الاستئثار بالسلطة.

أما بيزنس العسكر فهو يسير بمنطق أن مصر غنيمة للجنرالات ولا يجوز أن ينازعهم فيها أحد، تقول د. زينب ابو المجد: :لدى العسكر في مصر سرٌ كبير: يمتلكون ما لا يقل عن 35 مصنعًا وشركة ضخمة متفرعة، ويرفضون خصخصتها. لا تزال هذه المصانع نشاطات دفاعية، بل تنتج سلعاً وخدمات للاستهلاك المدني.

وعلى الرغم من تأكيد الدولة المتكرر على التزامها بسياسة التحرير الاقتصادي قبل الثورة وبعدها، تبقى الشركات المدنية التابعة للجيش دون مساس. وبسبب هذه الإمبراطورية الاقتصادية الشاسعة، تقف مصر في منطقة وسيطة غامضة بين الاقتصاد الاشتراكي والاقتصاد النيوليبرالي: إنها دولة “سوق ملتبسة”.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...