عيدنا .. تكبير وتعظيم

عيدنا .. فرحة وسعادة:
من حقنا كمسلمين في يوم عيدنا أن نفرح ونسعد بفضل الله علينا, ورحمته بنا,
{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}( يونس: 58) نفرح بنعمة الإيمان والهداية, نسعد بخير منهج أنزل, وبخير رسول أرسل, فرحة طاعة وشكر, بتلك النعم التي منَ الله بها علينا, قال تعالى:{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا }( المائدة: 3) قال ابن كثير: هَذِهِ أَكْبَرُ نِعَمِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ حَيْثُ أَكْمَلَ تَعَالَى لَهُمْ دِينَهُمْ، فَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى دِينِ غَيْرِهِ، وَلَا إِلَى نَبِيٍّ غَيْرِ نَبِيِّهِمْ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا جَعَلَهُ اللَّهُ خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ، وَبَعَثَهُ إِلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، فَلَا حَلَالَ إِلَّا مَا أَحَلَّهُ، وَلَا حَرَامَ إِلَّا مَا حَرَّمَهُ، وَلَا دِينَ إِلَّا مَا شَرَعَهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ أَخْبَرَ بِهِ فَهُوَ حَقٌّ وَصِدْقٌ لَا كَذِبَ فِيهِ وَلَا خُلْف .. فَارْضَوْهُ أَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّهُ الدِّينُ الَّذِي رَضِيَهُ اللَّهُ وَأَحَبَّهُ وَبَعَثَ بِهِ أَفْضَلَ رُسُلِهِ الْكِرَامِ، وَأَنْزَلَ بِهِ أَشْرَفَ كُتُبِهِ. عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ آيَةً فِي كِتَابِكُمْ، لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا. قَالَ: وَأَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ قَوْلُهُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ إني لَأَعْلَمُ الْيَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالسَّاعَةَ الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَزَلَتْ عَشية عَرَفَة فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ.( مسند أحمد)
عيدنا .. تكبير وتعظيم:
الله أكبر الله أكبر, لا إله إلا الله , الله أكبر الله أكبر, ولله الحمد. هذا التكبير مشروع وله أجر كبير خاصة في هذه الأيام, ولكن مع التكبير باللسان يجب أن يكون الامتثال والخضوع للأوامر واجتناب النواهي, والعمل بالفرائض وإحياء السنن, وتعظيم الحرمات والشعائر. قال تعالى:{ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ.. }( الحج: 30 ),{ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}( الحج: (32)
الحياة الطيبة في ظلال الإسلام:
بالعمل بهذا الدين, عقيدة وعبادة وأخلاق ومعاملات, ننعم بالسعادة, والحياة الطيبة, والأمن والسلام, والخروج من الأزمات والمشكلات. قال تعالى:{ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }( البقرة: 38), وقال تعالى:{ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}( طه: 123), وقال تعالى:{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}( النحل: 97)
ولابد لأهل الإيمان من ابتلاء وتضحية:
قال تعالى:{ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}( العنكبوت:2, 3)
ولنا القدوة في الخليل إبراهيم – عليه السلام – { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}( الصافات: 102) إلى نهاية الآيات الكريمة. هذه آي المحنة لإبراهيم بعد محنته بإلقائه في النار، وكل من المحنتين في غاية القسوة واختبار الإيمان بالله تعالى, ولما نجح خليل الرحمن في الاختبار كانت المنح الإلهية, حتى يعلم المسلم أن من وراء كل محنة منحة, وأن النصر مع الصبر، وأن الفَرَج مع الكَرْب، وأن مع العسر يسراً.. قال تعالى:{ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ . وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ . قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ . وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ . وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ . سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ . كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ز إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ . وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ . وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ ( الصافات 103 : 112 ) فعدّد الله تعالى نعمًا خمسًا على إبراهيم وهي:
1- الإحسان إليه. 2- وافتداء الذبح 3- الثناء الحسن عليه.
4- البشارة بإسحاق. 5- مباركة إبراهيم وإسحاق.
ومن هنا .. فالأضحية من شعائر الإسلام:
والأضحية اسم لما يذبح من الإبل والبقر والغنم يوم النحر وأيام التشريق تقرباً إلى الله تعالى، وإحياءً لسنة إبراهيم الخليل عليه السلام، والتوسعة على أهل البيت يوم العيد، وإشاعة الفرحة بين الفقراء والمساكين بالصدقة عليهم من لحومها، وشكر الله تعالى على ما سخر لنا من بهيمة الأنعام، و جمهور العلماء على أن الأضحية سنة مؤكدة ويكره تركها مع القدرة عليها, ويبدأ وقت ذبح الأضحية من بعد صلاة العيد ولا يجوز قبلها لحديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله “مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا ذَبَحَ لِنَفْسِهِ وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ”البخاري، ويمتد وقت الذبح إلى آخر أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة.
خطبة الوداع .. وإقامة المجتمع القوي المتماسك:
وفي يوم عيدنا من الواجب أن نتعرف على المبادئ التي أرساها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لإقامة المجتمع الآمن المستقر في رحاب مبادئ الإخوة , والعدل والمساواة , وإعطاء كل ذي حق حقه, وحرمة الدماء والأموال والأعراض.
1- العمل بالكتاب والسنة: (وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا، أَمْرًا بَيِّنًا، كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ) ( سيرة ابن هشام)
2 – الأخوة الإيمانية: نلمحها جلية وصريحة في قوله – صلى الله عليه وسلم: (تَعَلَّمُنَّ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ أَخٌ لِلْمُسْلِمِ، وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ إخْوَةٌ)(سيرة ابن هشام).
3 – المساواة الإسلامية: نراها في قوله صلى الله عليه وسلم: (إن ربكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب).
4– – الوحدة والترابط، ونبذ التفرق والاختلاف: في قوله صلى الله عليه وسلم: (فلا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض)
5– – حرمة الدماء والأموال والأعراض : (أَلَا إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، وَكَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا، وَكَحُرْمَةِ بَلَدِكُمْ هَذَا) مسند أحمد.
وفي يوم العيد تتأكد صلة الرحم:
فعلينا بصلة الرحم , سواء الرحم الخاصة أو رحم الأقارب, فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( قَالَ اللَّهُ: أَنَا الرَّحْمَنُ وَهِيَ الرَّحِمُ، شَقَقْتُ لَهَا اسْمًا مِنَ اسْمِي، مَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ ) “سنن أبي داود ، أو الرحم العامة أو رحم الإنسانية, كما قال تعالى:{ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا }( النساء: 1), وخاصة الأيتام منهم والفقراء والمساكين وأهل الحاجة عمومًا والضعفاء, ولذلك تقوم الجمعية الشرعية في كل فروعها في هذا اليوم الكريم بجمع اللحوم, وجلود الأضاحي, وتقوم بتوزيعها على المستحقين, وتفتح مشروعاتها الاجتماعية والطبية, والتنموية, بأنواعها لكل من يوفقه الله للإنفاق والبذل والتضحية لخدمة دينه ووطنه, وتفريج الكرب عن أصحاب الكروب والهموم, من أبناء مصرنا الحبيبة, ابتغاء مرضات الله. وفي الحديث الشريف:( مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ)أبوداود
أيها المسلمون.. أصلحوا ذات بينكم:
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟» قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ» سنن أبي داود.
نوصي أنفسنا في هذا اليوم الكريم, بإفشاء السلام, وصلة الأرحام, وإصلاح ذات البين, وإطعام الطعام, والتسامح والتصافح والتراحم, حتى ننعم برحمة الله, ففي الحديث: (ارحموا تُرْحَموا، واغفروا يَغْفرِ الله لكم ) مسند أحمد.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...