دروس وعبر عاشوراء

كلما أقبل شهر المحرم تذكرنا يوم عاشوراء بما فيه من دروس
تربي وتزكي الأمم والأفراد،
فهيَّا نتذاكر بعض هذه الدروس:
1- هلاك الطواغيت إن هلاك الظالمين نعمة كبرى، ومنة عظمى، قال تعالى:
(فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام: ٤٥)
، فقُرن حمده تعالى بسبب ظاهر- وهو المستحق للحمد فى كل حين- يتمثل فى إهلاكه سبحانه للظالمين وقطعه لدابرهم وفي ذلك من الإنعام على المستضعفين والرحمة بالمؤمنين مالا يخفى0 من هنا استحق يوم عاشوراء أن يكون واحداً من أعظم أيام التاريخ، فقد هلك فيه الرمز الأكبر للظلم والطغيان في الأرض على مر العصور، وهو فرعون حاكم مصر في عهد موسى عليه السلام على غير توقع، وبغير تكافؤٍ في موازين القوى – آنذاك – بين أهل الحق وأهل الباطل، لكن الله – جلَّت قدرته – فعال لما يريد، وقد سُمّى يوم العاشر من المحرم باسم عاشوراء تعظيماً له، وهو اسم إسلامىّ خالص لم تعرفه العرب فى الجاهلية، مع أن العاشر من المحرم كانت له حرمة قديمة عندهم ربما ورثوها من ديانة، إبراهيم وقد أمر الله عز وجل نبيه موسى بأن يذكر بني إسرائيل بنعم الله عليهم، وأعظمها إهلاك فرعون، فقال تعالى:(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)(إبراهيم: ٥) قال القرطبى فى تفسيره (9/341):” أى بما أنعم الله عليهم من النجاة من فرعون ومن التيه إلى سائر النعم. وقد استشهد الحسن البصرى بالجزء الأخير من هذه الآية في موقف مماثل، وهو هلاك الطاغية الظلوم الحجاج بن يوسف الثقفى، وكان الحسن قد توارى منه سبع سنين، فلما بلغه موته، قال: اللهم قد أمته، فأمت سنته، وسجد لله شكراً، وقرأ: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (لقمان-31)، ولعل السبب في تعظيم ذلك اليوم والأمر بصيامه، وتكفير السيئات به، يعود إلى ماله من تأثير على حياة البشر، حينما تظل ذاكرة الأمة المسلمة يقظة ومتوقدة للمواقف الفاصلة بين الحق والباطل، ويدل على ذلك ما نلمسه من توجيه النبى صلى الله عليه وسلم لأهمية استشعار البعد التاريخى فى الأحداث المعاصرة، والشعور بوحدة المعركة، فهلاك فرعون موسى بشرى بهلاك فرعون كل مرحلة من مراحل الصراع، ولذلك جاء في الحديث الذي رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل اليهود: ما هذا اليوم الذى تصومونه ؟ فقالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً، فنحن نصومه، فقال: فنحن أحق وأولى بموسى منكم”.
2- يوم العبرة بهلاك الظالمين:
لم يتعظ فرعون – كشأن كل الطغاة والظالمين – حين رأى آيةً عظيمة من آيات الله أمام عينيه، فها هو البحر ينشق لموسى عليه السلام، وهاهو طريق ممهد يظهر فجأة فوق الماء، فتغافل فرعون عن ذلك كله وسار باطمئنان الجاهل، واستخفاف الغافل يريد اللحاق بهؤلاء الفارين ولكنه وجد نفسه فجأة في وسط الماء، وأدرك مصيره الأسود المحتوم فحاول أن يصنع شيئاً، ولكن الله بعدله العظيم، لم يمكنه من النطق بكلمة التوحيد إلا في الوقت الضائع، حيث لا ينفع أحدًا إيمانُهُ؛ فكان سوء الخاتمة جزاءً وفاقًا لما ارتكبه من جرائم وحشية فى حق الشعب، ومن تطاول على رب العزة حين ادعى وهو الحقير الذليل أنه الإله المعبود، وهكذا تعلمنا تلك النهاية أن جرائم الطغاة لا تذهب سدى في لحظة عابرة، وما أجمل ما حكاه القرآن العظيم عن غرق فرعون حين قال: (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِين، فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ) (يونس 90:92).
إن الله عز وجل لم يكتف بعقوبة الآخرة – ويا لها من عقوبة!- ولكن سبحانه عاقبه فى الدنيا أيضاً بالطرق، وجعله عبرةً فلم يسمح لجثته بالاندثار، بل جعل بدنه يطفو على سطح الماء ويستقر على نجوة من الأرض – كما قال المفسرون – فأخذه المصريون واحتفظوا بجسده كعادتهم بما مكنهم الله من إسرار التحنيط وسلطان العلم، فصار لمن خلفه آية، ليس لجيل أو جيلين، بل لعشرات الأجيال ومئات السنين؛ فسبحان الذي يمهل ولا يهمل!
3- عاشوراء وتميز الأمة حض الرسول صلى الله عليه وسلم على صيام يوم آخر مع عاشوراء مخالفة لأهل الكتاب، ففي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ” حين صام النبى صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله: إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع، قال: فلم يأت العام المقبل حتى تُوفَي رسول الله صلى الله عليه وسلم ” وهو ما استقر عليه العمل، وما ينبغي اتباعه0 ولذلك فإن الجمع في الصيام بين يومي التاسع والعاشر مستحب، وهو رأي كثير من السلف، وأما تعظيم النصارى ليوم عاشوراء فغير معروف لنا، ولعله كان في زمن السلف رضي الله عنهم فإنهم يشتركون مع اليهود في الإيمان بالتوراة0 وأما صيام التاسع مع العاشر بنية مخالفة أهل الكتاب، مع كون الصيام مشروعاً في الشريعتين الإسلامية واليهودية، فيدلنا على وجوب المخالفة بصفة عامة، وفيما ليس مشروعاً بصفة خاصة، وإن كان صيام التاسع مع العاشر له أحكامٌ أخرى.
4- عاشوراء في كربلاء مما عكر صفو هذا اليوم ما أدمى قلوب المسلمين ولا زال الجرح نازغا مما ساهم في إشعال الخلاف بين السنة والشيعة كلما عادت الذكرى،ويصر الشيعة على اجترار التاريخ بالطريقة التي يحبونها فإلى متى ستظل الأمة تدفع ضريبة قتل الحسين ؟! وما ذنب الأجيال التي لم تشهد الأحداث ولم ترض بها وكيف تحاسب على أخطاء قديمة تعيق وحدتهم في الظروف الراهنة في وقت هم أحوج ما يكونون فيه إلى الوحدة ؟
نسيت النصرانية خلافها مع اليهود وبرءوهم من دم المسيح ليكونوا يدا واحدة على الإسلام وأهله، فلمصلحة من يظل دم الحسين حاجزا بين وحدة المسلمين ليوم الناس هذا؟ فهل يرضى الحسين بما يفعله المدعون لحبه من قتل وتشريد لأهل السنة في إيران والعراق وسوريا أخيرا وليست آخرا؟ وما الذنب الذي ارتكبه هؤلاء المساكين في حق الحسين وأهل البيت حتى يفعل بهم ما تشيب لهوله الولدان؟
مجمل الحدث: توافرت رسائل أهل العراق للحسين رضي الله عنه تطالبه بأن يخرج إليهم وأنهم قد أعدوا الجموع لنصرته على يزيد بن معاوية وذكروا أنهم سبعون ألفا يمكنهم أن يحسموا الموقف لصالحه، كما ذكروا مخالفات ليزيد بن معاوية أغلبها مكذوب عليه وضخموها بما يجعل الخروج عليه واجبا شرعيا، فقرر الحسين الخروج على يزيد استنادا إلى ما وصل إليه من مخالفات يرتكبها يزيد تجعل الخروج عليه جائزا ولغلبة ظنه بأن قوة شيعة أبيه علي رضي الله عنه في العراق كفيلة بحسم الموقف كما أخبروه هم بذلك.
موقف الصحابة من خروج الحسين: رفض الصحابة خروج الحسين ونصحوه بعدم الاستجابة لشيعة العراق الذين خذلوا أباه وحاولوا اغتيال أخيه عدة مرات، كما أن الصحابة لم يصدقوا كل ما يقال عن يزيد بل قاتل بعضهم تحت إمرته في غزو البحر وحصار القسطنطينية الأول وأنكر محمد بن الحنفية أخو الحسين لأبيه ما يقال عن يزيد وحاول ابن عباس منع الحسين فلم يفلح. بل ونصحه الفرزدق الشاعر في الطريق قائلا: الناس (يعني الشيعة) قلوبهم معك وسيوفهم عليك. والملاحظ أنهم لم يختلفوا على جواز الخروج على الحاكم الفاجر( كما يروج بعض الشيوخ) لكنهم:
أولا: وجدوا أن كثيرا مما يقال عن يزيد مكذوب وأما ما ورد من اتهامات فالنصيحة كفيلة بتقويمه فيها وليس القتال.
وثانيا: الصحابة يعلمون جيدا أن الخروج المسلح لا يجوز إلا إذا كان الحاكم مستوجبا للخروج بالكفر البواح الذي عندنا من الله فيه برهان ولا يزاح إلا بالقوة بشرط أن يغلب على الظن رجحان الكفة لصالح الخارجين فينحسم الموقف بأقل خسائر. وأثبتت الأحداث أن قوة شيعة العراق كانت وهمية وهم كذبوا عليه ووعدوه بالنصرة ثم تخلوا عنه وخذلوه.
وبالجملة: اجتهد الحسين وكان خروجه حسب ما توافر لديه من أسباب مشروعا. ولكن أهل العراق( شيعة أبيه) خذلوه وتركوه وحده يواجه جيشا كبيرا وانتهى الأمر باستشهاده وكان ذلك في يوم عاشوراء سنة 61هـ، فيا أسفا على المصائب مرة ويا أسفا على قتل الحسين ألف مرة.
الشيعة ومقتل الحسين:
استغل الشيعة هذا الحدث في التشنيع على أهل السنة ونسجوا روايات تشيب لهولها الولدان، والراجح أن يزيد لم يأمر بقتل الحسين بل أمر بمنعه فقط ولكن بعض القواد أساء وظلم وتولى كبرها ولطخ يديه بهذا العمل الشنيع، وقد أكرم يزيد نسوة أهل البيت على ما هو مفصل في المصادر الصحيحة.. ولكن الشيعة الذين كتبوا للحسين ليخرج إليهم هم الذين خذلوه وورطوه في الخروج فعلام يبكي الشيعة الآن؟! البعض قديما أسلم عيسى لأعدائه من اليهود ثم راح يبكي على صلبه وهؤلاء الشيعة خذلوا الحسين وجعلوا يتباكون على قتله ويتخذون من يوم عاشوراء مأتما متجددا يضربون صدورهم بالسلاسل والجنازير في مشهد مقزز لا ينبغي أن يحسب على الإسلام أبدا، إنهم تاجروا بالحدث للتشنيع على أهل السنة واستمالة قلوب الناس لقضية الحسين ليبشروا بالفكر الشيعي في بلاد المسلمين فهم كذبوا عليه ليخرجوه أولا ثم خذلوه ثانيا وتاجروا بقضيته ثالثا. ( للمزيد راجع العواصم من القواصم للقاضي أبي بكر بن العربي بتحقيق محب الدين الخطيب )
5- مسائل مهمة تتعلق بعاشوراء:
الأولى: في فضل صيامه حيث بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم فضل صيام هذا اليوم بقوله:) وصيام يوم عاشوراء إنى أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله( (رواه مسلم) وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (مارأيت النبى صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على الأيام إلا هذا اليوم يوم عاشوراء) (متفق عليه).
الثانية: صيام يوم عاشوراء يكفر ذنوب سنة ماضية والمقصود هنا الصغائر، بشرط اجتناب الكبائر، فإن الصلاة وصيام رمضان أعظم من صيام عاشوراء، ومع هذا قال صلى الله عليه وسلم:(الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) (مسلم والترمذى) فإياك والاغترار، فإن إنكار الذنوب ذنوبُ0
الثالثة: لا يكره إفراد عاشوراء بصيام، كذا قال ابن تيمية فى المجلد الخامس من الفتاوى وابن حجر الهيثمى فى تحفة المحتاج، وإن كان الأكمل صيام التاسع معه0
الرابعة: وكل ما روى فى فضل الاكتحال فى يوم عاشوراء والاختضاب والاغتسال فيه فموضوع لا يصح، ولعله من وضع الفئة الباغية الذين قتلوا الإمام الحسين رضي الله عنه فى مثل هذا اليوم، ومن ذلك حديث: ” من اكتحل يوم عاشوراء لم يرمد من ذلك العام”، وحديث: ” من اغتسل يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر السنة” وغير ذلك (انظر: لطائف المعارف لابن رجب ص75، ومجموع فتاوى ابن تيمية 25/299، والموضوعات لابن الجوزى 2/199 )0
الخامسة: ما يفعله الشيعة من العويل والصراخ والضرب بالسكاكين والجنازير وخلافه في يوم عاشوراء إظهارا للحزن على الحسين لا يجوز، وليس من الإسلام في شيء، وقد قتل من هم أفضل من الحسين كحمزة وجعفر وعمر وعثمان وعلي أبوه وغيرهم، ولم يَرِدْ أن أحدا من السلف أو الخلف جدد المآتم عليهم بهذه الطريقة، ولكن هذه المراسم لها وجهة سياسية لا علاقة لها بالشريعة والمقصود منها دغدغة مشاعر العامة والتبشير بالفكر الشيعي.
هذا بالإضافة إلى ما في هذه الطقوس من تشويه صورة الإسلام في الخارج وإظهار المسلمين في صورة القاصر الذي يحتاج إلى وصاية، ولما طلب من انجلترا إنهاء الانتداب عن البلاد الإسلامية رفضت انجلترا بحجة أن هذه البلاد قاصرة تحتاج إلى من يدير شئونها وقدموا صورا لمراسم عاشوراء عند الشيعة حيث الدماء والبكاء مما جعل الأمم المتحدة تقر انجلترا على هذا الاحتلال.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...