محمد الغزالي.. عالم مجدد حارب الظلم والاستبداد

محمد الغزالي، مفكر إسلامي مصري، وأحد دعاة الفكر الإسلامي في العصر الحديث، عُرف عنه تجديده في الفكر الإسلامي وكونه من “المناهضين للتشدد والغلو في الدين”، عُرف بأسلوبه الأدبي الرصين في الكتابة واشتهر بلقب أديب الدعوة وكان غزير الإنتاج حيث صدرت له العديد من الكتب المرجعية في الفكر الإسلامي المعاصر،.

سببت انتقادات الغزالي للأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي العديد من المشاكل له سواء أثناء إقامته في مصر أو في السعودية، حيث اعتقل في عهد كل من الملك فاروق والرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وتوفي عام 1996.

نشأته

ولد محمد الغزالي السقا الجبيلي يوم 22 سبتمبر 1917 في قرية نكلا العنب بإيتاي البارود في محافظة البحيرة

حفظ الغزالي القرآن الكريم في سن مبكرة، والتحق بعد ذلك بمعهد الإسكندرية الديني الابتدائي وظل بالمعهد حتى حصل منه على شهادة الكفاءة ثم الشهادة الثانوية الأزهرية، ثم انتقل بعد ذلك إلى القاهرة سنة 1937م والتحق بكلية أصول الدين بالأزهر.

بدأت كتاباته في مجلة (الإخوان المسلمين) أثناء دراسته بالسنة الثالثة في الكلية، بعد تعرفه على الإمام حسن البنا مؤسس الجماعة، وظل الإمام يشجعه على الكتابة حتى تخرّج بعد أربع سنوات في سنة (1360 هـ / 1941) وتخصص بعدها في الدعوة والإرشاد حتى حصل على درجة العالمية سنة (1362 هـ / 1943م) وعمره ست وعشرون سنة.

عمله

بدأ رحلته في الدعوة من خلال مساجد القاهرة، وتلقى العلم عن الشيخ عبد العظيم الزرقا، والشيخ محمود شلتوت, والشيخ محمد أبو زهرة والدكتور محمد يوسف موسى والشيخ محمد محمد المدني وغيرهم من علماء الأزهر.

شغل الغزالي عدّة مناصب دينية منها: إدارة المساجد، والإدارة العامّة للدعوة الإسلامية عام 1391 هـ الموافق لعام 1971، ومنصب وكيل وزارة الأوقاف لشؤون الدعوة عام 1400 هـ الموافق 1980، كما تولّى التدريس بالأزهر.

أعير للمملكة العربية السعودية أستاذًا في جامعة أم القرى بمكة المكرمة سنة 1391هـ 1971م، ودرّس في كلية الشريعة بقطر، وتولى رئاسة المجلس العلمي لجامعة الأمير عبد القادر الجزائري الإسلامية ب الجزائر لمدة خمس سنوات وكانت آخر مناصبه، نال العديد من الجوائز والتكريم فحصل على جائزة الملك فيصل للعلوم الإسلامية عام 1409 هـ /1989 م.

الغزالي والإخوان

انضم في شبابه إلى جماعة الإخوان المسلمين وتأثر بالإمام الشهيد حسن البنا، وفي عام 1945 كتب الإمام الشهيد إلى محمد الغزالي يقول له: أخي العزيز الشيخ محمد الغزالي:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته… وبعد، قرأت مقالك (الإخوان المسلمون والأحزاب) في العدد الأخير من مجلة (الإخوان) فطربت لعبارته الجزلة ومعانيه الدقيقة وأدبه العف الرصين. هكذا يجب أن تكتبوا أيها الإخوان المسلمون.. اكتب دائما وروح القدس يؤيدك، والله معك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”، ومن يومها أطلق الإمام حسن البنا على الشيخ الغزالي لقب “أديب الدعوة “.

واعتقل الغزالي مع من اعتقلوا بعد حلّ جماعة الإخوان المسلمين سنة 1948، وأودع في معتقل الطور.

بعد سنة 1952 نشب خلاف بين الغزالي وحسن الهضيبي، مرشد جماعة الإخوان المسلمين وقتها، “لمعلومات مشوشة وصلته عن المرشد حسن الهضيبي”، ما دفع القيادة لفصله، غير أن ذلك لم يمنع من وقوفه إلى جانبهم بعد حملات الاعتقال والسجن والتعذيب التي تعرضوا لها في عهد عبد الناصر، كما رفض في أكثر من مناسبة المشاركة في التهجم عليهم بوسائل الإعلام ما عرضه للسجن.

وقد اعتذر الغزالي في وقت لاحق على خلافه مع الهضيبي عن بعض الاتهامات التي وجهها له.

مواقفه

اشتهر الشيخ الغزالي بمواجهته للاستبداد وأصوله الفكرية والاجتهادات الفقهية التي حاولت شرعنة القهر والحكم الجبري، ويعتبر كتابه “الإسلام والاستبداد السياسي” علامة فارقة في هذا المسار الذي جعل من اسمه “بغيضا إلى الجهة الحاكمة”.

هاجم الغزالي قانون الأحوال الشخصية المشهور بقانون جيهان (زوجة الرئيس الراحل أنور السادات) فمنع من الكلام وصودرت كتبه، فلمّا أتيحت له أبواب الهجرة توجّه إلى السعودية، واشتغل أستاذا للدعوة في كليّة الشريعة بجامعة أم القرى بمكّة المكّرمة عام 1397 هـ الموافق لـ1977، وساهم في تأسيس جامعة الإمام عبد القادر الإسلاميّة بـقسنطينة في الجزائر عام 1980، وشغل عدّة مناصب جامعيّة في مصر.

حذر الغزالي من هدم المسجد الأقصى، وقال: إن زوال المسجد ليس قضية فلسطينيّة بل قضيّة قرآنيّة، وإن اليهود يتحرّكون بعقيدة دينيّة، بينما نحن لا نتحرك بالعقيدة الدينيّة المطلوبة، وإنّ واجب المسلمين أن يجعلوا المعركة معركة عقيدة.

دافع الشيخ الغزالي عن المرأة، وفنّد دعاوى خصوم الإسلام قائلا: هل يلام الإسلام إذا أقام نظامه على عدم تكليف المرأة بالارتزاق، وجعل الزوج أو الأب مسؤولا عن زوجته أو ابنته!.. هل يلام الإسلام إذا عرف أن المرأة ستفقد عرضها عن طريق لقمة الخبز، فوضع نظامه على أساس توفير اللقمة لها، واستبقاء عرضها مصونا؟ ثم قال: هل العري والرقص والتبذّل واستثارة الغرائز الهاجعة.. هل هذه حقوق رفيعة كسبتها المرأة؟ فدعمت بها جانبها في المجتمع، أم أن هذه نزعات حيوانيّة فرضها الرجال الأشرار لكي يبتذلوا المرأة ويجعلوها طوع شهواتهم؟

وكان يرى أنّه لا بدّ من التوسّط والاعتدال في مسألة السفور والحجاب، فيكون حجابا شرعيا تتمكّن معه السيّدات من المساهمة في النهضة الدينيّة والخدمة.

مؤلفاته

ألّف الغزالي عشرات الكتب، بينها: خلق المسلم، كفاح دين، نظرات في القرآن، تراثنا الفكري، هموم داعية.

كما صدر له أيضا: عقيدة المسلم، حصاد الغرور، من وحي السيرة، معركة المصحف في العالم الإسلامي، دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين، “السنّة النبويّة بين أهل الفقه وأهل الحديث” الذي أثار جدلا في المجلاّت الإسلاميّة.

ومن الكتب المهمة التي ألفها الغزالي: قذائف الحق، الإسلام والأوضاع الاقتصاديّة، الإسلام والمناهج الاشتراكيّة، تأمّلات في الدين والحياة، الإسلام في وجه الزحف الأحمر، واقع العالم الإسلامي، موكب الدعوة، الغزو الثقافي يمتد في فراغنا، كيف نتعامل مع القرآن؟ وهي مدارسة أجراها معه مدير مجلة” الأمة” القطرية عمر عبيد حسنة.

وقد جُمعت خطبه في كتاب “خطب الشيخ محمد الغزالي في شؤون الدين والحياة”.

وفاته

توفي محمد الغزالي بالرياض يوم 9 مارس 1996 أثناء اشتراكه في ندوة الإسلام والغرب، ودفن بالمدينة المنوّرة وفق وصيته.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ

بعد حمد الله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن ...