إلى أى مدى يمكن لحملة “اطمن أنت مش لوحدك” أن تثمر معارضة حقيقية؟

تعيش مصر حالة من الغضب الشعبي في ظل حالة واسعة من طحن الفقراء بالأسعار المرتفعة والأوضاع المعيشية المتردية، وحذف الملايين من بطاقات دعم التموين، أضف إلى ذلك نزيف الدم الذي زادت وتيرته بشكل لافت خلال الفترة الأخيرة؛ سواء على صعيد الإعدامات والتصفيات للمعارضين أو عبر حوادث القطارات والطرق، أو لأفراد الشرطة والجيش في هجمات متفرّقة من جانب مسلحين في سيناء، إلى جانب تعالى الأصوات محلياً ودولياً ضد انتهاكات نظامه.

ورغم أن تلك الأوضاع ليست جديدة فإن التعبير عنها في الشارع أو عبر منصات التواصل الاجتماعي ارتفع بشكل لافت؛ خصوصاً عقب حملة “اطمن أنت مش لوحدك” التي أطلقها الإعلامي المصري المعارض “معتز مطر“.

أطلق معتز مطر تلك الحملة بهدف بث الروح الثورية بين المصريين من جديد وتحريك الماء الراكد للمعارضة فى مصر وطمأنة كل مناصر للثورة أنه لا يقف وحيداً، خصوصاً بعد أن وطد السيسى حكمه فى مصر من خلال سحق المعارضة. وقد لاقت تلك الحملة قبول شعبى كبير حوّلها إلى حالة عامة بين قطاع كبير من المصريين الرافضين للأوضاع،  حيث احتل وسم الحملة صدارة “تويتر” أكثر من مرة، حيث غرد عليه 130 ألف شخص بعد ساعتين من انطلاق الحملة[.

بداياً دعت الحملة المصريين  إلى إطلاق الصافرات وطرق الأوانى فى ساعة محددة كل أربعاء من أجل طمأنة كل معارض للسيسى بإنه ليس وحيداً، وقد تناقلت مواقع التواصل الاجتماعى فيديوهات تشير إلى التفاعل الكبير الذى لاقته تلك الحملة،  إلى جانب ذلك خرجت العديد من المظاهرات الليلية على خلفية التفاعل مع تلك الحملة فى 6 مارس، إلى جانب تنظيم أهالى جزيرة الوراق مسيرة تنديدا بمحاولات النظام الاستيلاء على منازلهم وطردهم من الجزيرة استجابة للحملة. ثم امتدت الحملة إلى كتابة شعاراتها على الأوراق المالية المتداولة بما ساهم فى وجود الحملة على أرض الواقع بشكل مختلف[.

استمرار تأجيج الغضب الشعبى  

تستمر الحملة  بوتيرة  قوية فى حشد المعارضين للنظام، وهناك مجموعة من الشواهد التى تؤيد ذلك، تتمثل فى:

أولاً: إعلان عدد من الشخصيات العامة الانضمام إلى الحملة، على رأسهم الإعلامى “محمد ناصر” تأييده تلك الحملة وانضمامه إليها بما لاقى ترحيب واسع بين المصريين بما يسهم فى تعميق الصداع الذى يعانى منه النظام على إثر تصاعد المعارضة على مواقع التواصل الاجتماعى، ويحمل ذلك دلالة هامة تتمثل فى بداية انصراف جماعى عن قنوات الموالاة للنظام التى يتصدرها أحمد موسى وعمرو أديب إلى قنوات المعارضة التى تبث من خارج سيطرة النظام، وبالتالى فهو يعكس تطلع المصريين إلى استكمال ثورتهم خصوصاً مع الإحساس بانبثاق الربيع العربى مرة آخرى فى الجزائر والسودان. إلى جانب ذلك أعلن الدكتور “عصام حجى” انضمامه إلى الحملة[ والذى يحمل دلالة هامة تتمثل فى إعطاء قوة للحملة ليس فى الداخل فقط ولكن فى الخارج أيضاً خصوصاً من النخبة بما سيعطى قوة وقدرة أكبر على تحرك الشارع، إلى جانب كون عصام حجى كان المستشار العلمى لرئيس الجمهورية عدلى منصور الذى عينه عبد الفتاح السيسى، وبالتالى فانضمامه إلى صفوف المعارضة لاحقاً سيؤدى إلى استقطاب شرائح جديدة من المجتمع المصرى خاصة من المؤيدين سابقاً لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسى.

ثانياً/ التفاعل القوى مع الدعوة التى أطلقتها الحملة للامتناع عن دفع الفواتير الحكومية عبر تأجيل السداد لمدة أسبوع واحد فقط والتى  تأتي على غرار الحملات الشعبية التي شكت من ارتفاع الأسعار مؤخرا، ومنها حملة “خليها تصدي”، التي أثارت تفاعلا إعلاميا وشعبيا في مصر لمقاطعة شراء السيارات الجديدة بسبب ارتفاع أسعارها. وتفاعل عدد كبير من المعارضين وأعربوا عن مشاركتهم فى تلك الحملة[.

ثالثاً/ إلى جانب العمل على تكوين أشكال جديدة، من قِبل المنضمين فى الحملة، للاحتجاج لتوسيع الحملة من خلال كتابة شعار الحملة على عدد من القصاصات الورقية وتركها في الهواء من فوق أسطح المنازل أو الشبابيك لتنتشر في مساحات واسعة، داعية المواطنين إلى عدم اليأس والانضمام للحملة[.

رابعاً/ انتقال وسم الحملة إلى جدران القاهرة والجيزة حيث كتب وسم الحملة “اطمن أنت مش لوحدك” على عدد من الجدران والشوارع وهذا يشير إلى مدى التأثير الذى تحوزه الحملة فى الشارع ومدى الرغبة فى استمرارها وإيصالها إلى جميع أطياف الشعب المصرى بمن فيهم غير المستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعى.

خامساً/الدعم الخارجى للحملة، أولاً لأن تلك الحملة بُثت من تركيا، إلى جانب إنها شهدت تفاعلاً واسعًا في عدة دول عربية، وتصدر وسم الحملة مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، تعبيرا عن التضامن مع الشعب المصري، ورأى البعض أن الحملة  تعبر عن معركة العالم العربي كله لا مصر وحدها، مؤكدين أن الطمأنة هي أيضا للشعوب العربية الثائرة أنها ليست وحدها في هذا الطريق[.

إلى جانب ذلك فالحملة عملت على التأثير على علاقة النظام مع موالوه  من النظم العربية، فقد كشف مصدر عن انزعاج إماراتى من الحملة ونجاحها معبراً بإن «التفاعل الشعبي مع حملة «اطمن انت مش لوحدك» وما أحدثته من توحيد صف المعارضة المصرية كشف هشاشة نظام عبد الفتاح السيسي وأزعجت ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد» إلى جانب ذلك تم إنشاء غرفة عمليات مشتركة بين المخابرات الإماراتية وقيادات الجيش المصري بخصوص الأوضاع التي تمر بها مصر وما يجري فيها، وقد أوضح أن القيادي المفصول من حركة فتح، محمد دحلان، والمستشار الأمني لولي عهد أبو ظبي، قال لمدير المخابرات المصرية عباس كامل: «إن لم يكن لديك لجان لمواجهة الحملة على مواقع التواصل فيمكننا الاستعانة بلجان تركي آل الشيخ، الوضع صعب يا عباس، البلد بتفلت من قبضتنا».[.

كان من الممكن أن تكون تلك الأحداث كغيرها من الأحداث التى مرت من قبل ولا تستدعى مشهد يناير من جديد، إلا أن ظهور المعطيات الجديدة على الساحة الدولية المتمثلة فى الجزائر ومطالبة الشعب بعدم ترشح بوتفليقه لولاية جديدة. فضلاً عن السودان التى تطالب بالرحيل للبشير. تجعل تلك الأحداث لا يمكن التهاون بها فبواعث تلك الحركات فى المنطقة تكاد تكون متشابهة تتمحور حول القمع والفقر والظلم.

إلا أن نزول الناس إلى الشارع يحمل دلالات هامة تتمثل فى: كسر حاجز الخوف الذى يحيط به السيسى نظامه، فنزول الناس وهم مدركين تماماً أنهم لن يعودوا إلى ديارهم مجدداً تؤكد ذلك. إلى جانب ذلك هناك دلالة أخرى تشير إلى أن الشارع لم يعد يتحرك على أساس أيديولوجى وإنما تحركهم نابع من الظروف التى يعيشها الشارع المصرى. إلى جانب ذلك خروج بعد المظاهرات من بعض المناطق التى كانت محسوبة على النظام تشير إلى أن النظام فقد دوائر تأييده فى الشارع المصرى.

رد فعل النظام يكسب الحملة قوة إضافية

يمكن قياس مدى نجاح وفشل الحملة بمدى تعاطى النظام مع الحملة، وقد اتضح نجاح الحملة فى إرباك النظام من خلال عدد من الشواهد تتمثل فى:

أولاً/ اتجه النظام إلى سياسة التهدئة بدلاً من المواجهة، فقدأفادت مصادر مقرّبة من دوائر صناعة القرار عن تعليمات رفيعة المستوى للأجهزة الأمنية والهيئة الهندسية للقوات المسلحة المشرفة على عمليات إخلاء جزيرة الوراق وإقامة محور روض الفرج الذي يمر على أراضي الجزيرة ويبتلع مساحات كبيرة من الأراضي والعقارات المملوكة للأهالي، بتأجيل كافة الإجراءات التي من شأنها إحداث صدام أو إثارة قلاقل في الفترة الراهنة ولحين إجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية قبل شهر رمضان[

ثانياً/ اتخذ البنك المركزى قرارًا عمّمه على جميع شركات الصرافة، بتوجيههم لعدم استلام العملات النقدية الورقية المختومة بأي شعارات، وحظر تداول أي عملات ورقية عليها أي عبارات نصية، مشدداً على عدم قبولها بأي تعاملات[.  

ثالثاً/ذكر السيسى فى ندوته الثقفيفية للقوات المسلحة بمناسبة يوم الشهيد، بإنه لا يخشى من الخارج بقدر خشيته من الداخل، فى إشارة ضمنية بالضرورة إلى تلك الاحتجاجات، وبالتالى فهذه المظاهر الاحتجاجية الأولية قد أربكته وأصبحت بمثابة تهديد له وهذا يمثل نجاح للحملة[.

وبالتالى فالحملة قد اكتسبت زخماً كبيراً وتفاعل واسع بالفعل، وساعدت فى توصيل حالة الغضب الشعبى إلى قطاع كبير من المصريين.

تراجع مؤقت أم مستمر:

إلا أنه يلاحظ أنه قد خفت صوتها قليلاً فى ظل المعركة التى يخوضها النظام مع المعارضة وتسخيره  جميع أجهزته من أجل إنجاح خطته من أجل تمرير التعديلات الدستورية، فقد قادت الحركة المدنية الديمقراطية  تكوين أشكال أولية لمواجهة التعديلات إلا أن النظام قد  وأدها، حيث قدمت “الحركة المدنية الديموقراطية” يوم الأحد ٢٤ مارس، بإخطار لوزارة الداخلية بتنظيم وقفة احتجاجية سلمية أمام البرلمان يوم الخميس الموافق ٢٨ مارس، للإعراب عن احتجاجها و رفضها لعملية تعديل الدستور وإجراءاتها التي تتم حاليا في مجلس النواب تحت مسمي الحوار المجتمعي، وقد أرسلت وزارة الداخلية  ردّاً إلى الأحزاب المنضوية تحت لواء “الحركة المدنية الديمقراطية”، يوم الأربعاء27مارس، تخطرها فيه برفضها الطلب المقدم منها بتنظيم وقفة احتجاجية، ظهر الخميس، أمام مقرّ مجلس النواب، للإعلان عن رفضها التعديلات الدستورية، وللمطالبة بوقف حملات القبض والاعتقال على المعارضين، والإفراج عن المعتقلين السياسيين على ذمة قضايا تتعلق بالاعتراض على الدستور[.  

إلا أنه لا يمكن الجزم بحتمية فشل تلك الحملة بالإشارة إلى أن تلك الحملة تُبث من الخارج وبالتالى فهى تتحرك فى مجال أوسع من المجال الذى تتحرك فيه قوى المعارضة فى الداخل كما الحركة المدنية، وبالتالى فالحملة تسعى إلى التحضير لتكوين شكل احتجاجى يحمل صدى واسع  يشهل تهديد حقيقى للنظام بالتزامن مع مواعيد الإعلان عن الاستفتاء.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...