سيد قطب والعمل مع الله.. سيرة مفكر إسلامي كبير في ذكرى استشهاده

في يوم 29 من أغسطس 1966م قامت السلطات العسكرية بإعدام سيد قطب، والذي تدلّى على حبل المشنقة ليس لشخصه ولكن لكلماته التي ظلت تتناقلها الأجيال: (إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع حتى إذا متنا في سبيلها، دبت فيها الروح وكتبت لها الحياة).

كانت كلماته لطمة على وجوه كل عسكري بغى وظلم ونكل وسعى لإعدام فكره: (إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ليرفض أن يكتب حرفا واحدا يقر به حكم طاغية).

سيد قطب إبراهيم، ولد في أحضان عائلة موسرة نسبيا في قرية “موشا” الواقعة في محافظة أسيوط سنة 1906م، حيث كان والده رجلا متدينا مرموقا بين سكان القرية، وعضوا في لجنة الحزب الوطني الذي كان يرأسه مصطفى كامل.

التحق بمدرسة المعلمين الأولية عبد العزيز بالقاهرة، ونال شهادتها والتحق بدار العلوم وتخرج عام 1352 هـ – 1933 م. عمل بوزارة المعارف بوظائف تربوية وإدارية، وابتعثته الوزارة إلى أمريكا لمدة عامين حيث سافر في 3 نوفمبر 1948م وعاد عام 1370 هـ – 1950م، وكان قد انضم إلى حزب الوفد المصري لسنوات وتركه بسبب خلاف في عام 1361 هـ – 1942م.

بعدما عاد من بعثته حدث له تحول جذري، حيث انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين عام 1370 هـ – 1950م، لكنه سرعان ما غاب خلف القضبان لا لشيء إلا أنه عارض فكر عبد الناصر وتبعيته.

لماذا أعدموني؟

بهذه الكلمات التصويرية والتي ساقها سيد قطب من مخيلته موجها سؤاله لهؤلاء العسكر الذين ملكوا البلاد، لماذا تعدموني؟ هل لشخصي؟ أم لفكري؟ ولماذا كان يخاف العسكر من سيد قطب وفكره؟ ولماذا كان عبد الناصر حريص على ذلك رغم تدخل الملوك والرؤساء لفديته؟ هل كان عبد الناصر يظن أن بموت سيد قطب يكون قد قضى على الفكر الإسلامي التنظيمي بعد استشهاد حسن البنا؟

لماذا أعدمني عسكر خان وطنه ودينه حينما وقع في الأسر عام 1956م لدى إسرائيل وظل يسب مصر وأهلها وعبد الناصر وجيشه، إنه محمد فؤاد الدجوي الذي كان خير أداة عسكرية لإعدام الفكرة.

محاكمة القرن

إن من طبيعة الطغيان أن يكره دعاة الحرية وأن يحقد عليهم، ولذلك لا يحرص الطاغية من هؤلاء على شيء حرصه على كتم كل صوت حر والزج بصاحبه في غياهب السجون أو تعليقه على أعواد المشانق إن أمكن؛ كي يضمن لنفسه البقاء والاستمرار في التحكم بمصائر الناس ورقابهم، وما استشهاد سيد قطب ومحمد يوسف هواش وعبد الفتاح إسماعيل إلا حلقة من هذه القصة المعادة المكررة، فلكم افترى جمال عبد الناصر وحكومته وصحافته المأجورة ووسائل إعلامه على سيد قطب.

لقد كانت بحق محاكمة القرن التي شهد ظلمها العالم، وكانت الأحكام مسبقة، لأن سرعة تنفيذ حكم الإعدام دليل على فزع العسكر من فكر سيد قطب.

لقد كرر عبد الناصر – كما يكرر عسكر اليوم- ما قام به الجنرال إودولف غراتسياني حينما قبض على عمر المختار ووقف أمامه، أصدر حكمه قبل ما يقف أمام المحكمة، وقال أعطوه كل ما يطلب ماء عسل، وفي الصباح أعطى الأوامر لصاحب المحكمة بأن يحكم عليه بالشنق، وهنا التفت المختار كالأسد وقال بهدوء وسكينة: على أية حال سيكون عمري أطول من عمر شانقي.

لقد سعت هيئة العفو الدولية لتوكيل محام من قبلها عن سيد قطب، إلا أن السلطات العسكرية رفضت إعطاءه تأشيرة لدخول مصر، حيث جاء في تقريرها الصادر بتاريخ 15/4/1966: “إن محاكمات الإخوان المسلمين فرض عليها قانون استثنائي صدر بعد وقوع الاعتقالات بأثر رجعى”.

كما أن المحاكم العسكرية رفضت سماع أقوال المتهمين عن التعذيب الذي وقع عليهم، وأن الأستاذ سيد قطب وزملاءه من الإخوان المسلمين حرموا من حقهم الشرعي والطبيعي في اختيار محامين للدفاع عنهم، كما أن السلطات المصرية طردت المحامين السودانيين الذين ذهبوا للقاهرة بقصد الدفاع عن الإخوان المسلمين وأبعدتهم من مصر بدون مبرر.

لقد حوكم سيد قطب ورفاقه بمقتضى قانون خاص صدر بتاريخ 24 مارس 1964، منح لرئيس الحكومة سلطة اعتقال الأشخاص بدون محاكمة بسبب الاتهامات السياسية، وهؤلاء المعتقلون السياسيون يحاكمون بواسطة محاكم تتشكل من أعضاء يعينهم الرئيس بصفة استثنائية، وفى العمل فإن هذه المحاكم أخذت صفة محاكمة عسكرية وليس لسلطتها أي حدود سوى أن الرئيس الذي شكلها هو الذي له حق التصديق على أحكامها.

لم يكن سيد قطب في يوم من الأيام يؤمن بالاغتيال والتخريب، وإنما عاش حياته كلها يؤمن بان الأوضاع لا تتغير ولا تصلح إلا بالفكرة والاقتناع.

لقد ظُلم سيد قطب-رحمه الله- مرتين؛ مرة من عدوه وهو ظلم واضح لا يحتاج إلى إمعان منظر، ومرة من بعض مريديه الذين تأوّلوا كلماته وحملوها ما لا تحتمل، فأدخلوا أنفسهم في أنفاق مظلمة سيد منها براء.

محاكمة فكرة

لم يحرض سيد قطب أحدا، بل كان في زنزانة منفردة طيلة العشر سنوات في مستشفى ليمان طرة، وما كاد ينتهى من مدة في السجن حتى خرج ليرى إخوته الذين لم يمر أشهر معدودة حتى قبض على الجميع دون اتهام، إلا لكماتهم التي أرّقت مضاجع الظالمين.

وقف سيد قطب أمام الدجوي ليحاكم على فكرة، والذي وصفه الدكتور القرضاوي بقوله: (الحقيقة أن سيد قطب وتنظيمه لم يحاكما من أجل “الأعمال الخطيرة” التي ارتكبها، ولكن حوكم كلاهما من أجل “الأفكار الخطيرة” التي اعتنقاها أو دعيا الناس إليها. ولو أنصفوا وامتلكوا الشجاعة لقالوا: إننا حاكمنا الرجل- بل حكمنا عليه بالإعدام- من أجل أفكاره لا من أجل أعماله).

أثناء محاكمة سيد قطب طلب القاضي- الذي عينته الثورة- من سيد أن يذكر الحقيقة، فكشف سيد قطب عن ظهره وصدره اللذين تظهر عليهما آثار السياط وعصيان الحراس، وقال للقاضي: «أتريد الحقيقة؟.. هذه هى الحقيقة”. وبعدها أصبحت جلسات المحاكمة مثار السخرية بين الجمهور.

هزة فكرية وتأثير تربوي

أحدث إعدام سيد قطب– والذي حرص عليه النظام المصري- هزة عنيفة في المجتمعات الإسلامية، وكان له تأثير تربوي على شباب المجتمعات المسلمة الذين تحركوا – دون أن يروا سيد قطب– إلى الاعتراض على الأحكام المسيسة التي قضت بإعدام مثل هذه الشخصيات التربوية.

وحدث التحول حيث انتشرت كتب وأفكار سيد قطب، وتربى كثير من الشباب عليها، وعلى الرغم من المحاولات الدؤوبة التي قامت بها الأنظمة من تشويه فكر سيد قطب، ومحاولة إلصاق تهم الكفر بفكره، إلا أن أفكاره ظلت كالشموع تتراقص أمام الشباب لتصنع منهم أجيالا ضحوا بأنفسهم في سبيل هذا الدين.

أدرك قطب أن الجاهلية منظمة ولا بد من مقابلتها بإسلام محكم التنظيم، قائم على تربية الصفوة والنخبة والنواة الصلبة؛ التي أسماها جيلا قرآنيا فريدا يهوى الاستعلاء والمفاصلة.

هذه النفوس يريد لها سيد- رحمه الله- أن تنفض عنها غبار العجز والكسل والترخّص، لتنهض بعزيمة نحو المعالي. لذا نجده لا يتقيد بمعاني الفقه ومرادفاته الصارمة، بل يعطي نفسه الحرية في إلهاب المشاعر بالمجاز، والمسافة شاسعة بين هذه وتلك؛ بين لغة الفقه ولغة الأدب والحماسة. فيأتي ثلة من شباب ينقصهم كثير من وعي وفطنة، فيتعاملون مع أسطر أدبية على أنها نصوص فقهية وفتاوى شرعية، فتبتعد تصوراتهم وأفكارهم عن موازين الفقه الصحيحة.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

القائم بأعمال المرشد: ماذا أعددنا لاستقبال خير أيام السنة؟

دعا د. محمود عزت، القائم بأعمال المرشد العام للإخوان المسلمين، إلى الاستفادة من الأيام العشر ...